ابتلاه بالقتال فهو على تقدير أن يقتل مكرم وعلى تقدير أن لا يقتل مكرم هذا إن قاتل وإن لم يقاتل، فالموت لا بد منه وقد فوت على نفسه الأجر الكبير.
وأما قوله تعالى :﴿فَلَن يُضِلَّ أعمالهم﴾ قد علم معنى الإضلال، بقي الفرق بين العبارتين في حق الكافر والضال قال ﴿أَضَلَّ﴾ [ محمد : ١ ] وقال في حق المؤمن الداعي ﴿لَنْ يُضِلَّ﴾، لأن المقاتل داع إلى الإيمان لأن قوله ﴿حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا﴾ قد ذكر أن معناه حتى لم يبق إثم بسبب حرب، وذلك حيث يسلم الكافر فالمقاتل يقول إما أن تسلم وإما أن تقتل، فهو داع والكافر صاد وبينهما تباين وتضاد فقال في حق الكافر أضل بصيغة الماضي، ولم يقل يضل إشارة إلى أن عمله حيث وجد عدم، وكأنه لم يوجد من أصله، وقال في حق المؤمن فلن يضل، ولم يقل ما أضل إشارة إلى أن عمله كلما ثبت عليه أثبت له، فلن يضل للتأبيد وبينهما غاية الخلاف، كما أن بين الداعي والصاد غاية التباين والتضاد، فإن قيل ما معنى الفاء في قوله ﴿فَلَن يُضِلَّ﴾ ؟ جوابه لأن في قوله تعالى :﴿والذين قُتِلُواْ﴾ معنى الشرط.
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (٥)
إن قرىء ﴿قتلوا﴾ أو ﴿قَاتَلُواْ﴾ فالهداية محمولة على الآجلة والعاجلة، وإن قرىء ﴿قتلوا﴾ فهو الآخرة ﴿سَيَهْدِيهِمْ﴾ طريق الجنة من غير وقفة من قبورهم إلى موضع حبورهم.
وقوله :﴿وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾.
قد تقدم تفسيره في قوله تعالى :﴿أَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ [ محمد : ٢ ] والماضي والمستقبل راجع إلى أن هناك وعدهم ما وعدهم بسبب الإيمان والعمل الصالح، وذلك كان واقعاً منهم فأخبر عن الجزاء بصيغة تدل على الوقوع، وههنا وعدهم بسبب القتال والقتل، فكان في اللفظ ما يدل على الاستقبال، لأن قوله تعالى :﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ﴾ [ محمد : ٤ ] يدل على الاستقبال فقال :﴿وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾ ثم قال تعالى :
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (٦)


الصفحة التالية
Icon