ولما كانت وقائعه خلعة للقلوب بما فيها من الأمور الباهرة الناطقة بها ألسنة الأحوال بعد التنبيه بالمقال، ساق ذلك بسوقه في أسلوب الاستفهام مساقاً منبهاً على أنه من العظمة بحيث يفرغ الزمان للعناية بالسؤال عنه فقال :﴿كيف كان عاقبة﴾ أي آخر أمر ﴿الذين﴾ ولما كان يمكنهم معرفة ذلك من جميع المهلكين، نبه بإثبات الجار على أنهم بعضهم بل بعض المكذبين للرسل، وهم الذين سمعوا أخبارهم ورأوا ديارهم بعاد وثمود ومدين وسا وقوم لوط فقال تعالى :﴿من قبلهم﴾ ولما كان كأنه قيل : ما لهم؟ قال :﴿دمر الله﴾ أي أوقع الملك الأعظم الهلاك العظيم الداخل بغير إذن، الهاجم بغتة ﴿عليهم﴾ بما علم أهاليهم وأحوالهم وكل من رضي فعالهم أو مقالهم، وعدل عن أن يقول :" ولهؤلاء " إلى قوله :﴿وللكافرين﴾ تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف وهو العراقة في الكفر، فكان فيه بشارة بأن بعضهم سينجيه الله تعالى من أسباب الهلاك لكونه ليس عريقاً في الكفر، لأنه لم يطبع عليه ﴿أمثالها﴾ أي أمثال هذه العاقبة.
ولما بين أن يعلي أولياءه ويذل أعداءه، بين علته فقال :﴿ذلك﴾ أي الأمر العظيم الذي فعله بالفريقين ﴿بأن الله﴾ أي بسبب أن الملك الأعظم المحيط بصفات الكمال ﴿مولى الذين آمنوا﴾ أي القريب من المصدقين به المرضين له، فهو يفعل معهم بما له من الجلال والجمال ما يفعل القريب بقريبه الحبيب له، قال القشيري : ويصح أن يقال : أرجى آية في كتاب الله هذه الآية لأنه لم يقل : الزهاد والعباد وأصحاب الأوراد والاجتهاد.
يعني بل ذكر أدنى أسنان أهل الإيمان.
﴿وأن الكافرين﴾ أي العريقين في هذا الوصف ﴿لا مولى لهم﴾ بهذا المعنى، لأنهم بعيدون من الله الذي لا يعبد على الحقيقة إلا هو، فلا ينفعهم قرب قريب أصلاً وإن كان الله مولاهم بغير هذا المعنى بل بمعنى أنه سيدهم ومالكهم، وفيه إيماء إلى أنه سبحانه وتعالى ولي من لم يكن عريقاً في الكفر فيخرجه من الظلمات إلى النور. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٧ صـ ١٥٤ ـ ١٥٦﴾


الصفحة التالية
Icon