لما أقام سبحانه الأدلة في الحواميم حتى صارت كالشمس، لا يزيغ عنها إلا هالك، وختم بأنه يهلك بعد هذه الأدلة القوم الفاسقون، افتتح هذه بالتعريف بهم فقال سبحانه وتعالى :﴿الذين كفروا﴾ أي ستروا أنوار الأدلة فضلوا على علم ﴿وصدوا﴾ أي امتنعوا بأنفسهم ومنعوا غيرهم لعراقتهم في الكفر ﴿عن سبيل الله﴾ أي الطريق الرحب المستقيم الذي شرعه الملك الأعظم ﴿أضل﴾ أي أبطل إبطَّالاً عظيماً يزيل العين والأثر ﴿أعمالهم﴾ التي هي أرواحهم المعنوية وهي كل شيء يقصدون به نفع أنفسهم من جلب نفع أو دفع ضر بعد أن وفر سيئاتهم وأفسد بالهم، ومن جملة أعمالهم ما يكيدونكم به لأنها إذا ضلت عما قصدوا بها بجعله سبحانه لها ضالة ضائعة هلكت من جهة أنها ذهبت في المهالك ومن جهة أنها ذهبت في غير الجهة التي قصدت لها فبطلت منفعتها المقصودة منها فصارت هي باطلة فأذهبوا أنتم أرواحهم الحسية بأن تبطلوا صورهم وأشباحهم بأن تقطعوا أوصالهم وأنتم في غاية الاجتراء عليهم، فإن ربهم الذي أوجدهم قد أبطلهم وأذن لكم في إبطالهم، فإنه قد علم أن لا صلاح لهم والمؤذي طبعاً يقتل شرعاً، فمن قدرتم على قتله فهو محكوم بكفره، محتوم بخيبته وخسره.