وقد أفهم هذا السياق أن هذا الحكم ثابت غير منسوخ والأمر بالقتل وحده في غيرها من الآيات عام غير مخصوص بما أفهمته الغاية من أن التقدير : والجهاد على هذه الصفة باق وماض مع كل أمير براً كان أو فاجراً، لا يزال طائفة من الأمة قائمين به ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهو - والله أعلم - المراد بقوله تعالى :﴿حتى﴾ أي افعلوا ما أمرتكم به على ما جددت لكم إلى أن ﴿تضع الحرب أوزارها﴾ وهي أثقالها أي الآلات التي تثقل القائمين بها من النفقات والسلاح والكراع ونحوه، وذلك لا يكون وفي الأرض كافر، وذلك على زمن عيسى عليه الصلاة والسلام حين تخرج الأرض بركاتها، وتكون الملة واحدة وهي الإسلام لله رب العالمين، فيتخذ الناس حديد السلاح سككاً ومناجل وفؤوساً ينتفعون بها في معاشهم كما ورد في الحديث :" الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال " - رواه في الفردوس عن أنس ـ رضى الله عنه ـ " الجهاد واجب عليكم مع كل بر وفاجر " رواه أبو داود عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ.
ولما كانت الحرب كريهة إلى النفوس شديدة المشقة، أكد أمرها بما معناه : إن هذا أمر قد فرغ منه، فقال تعالى :﴿ذلك﴾ أي الأمر العظيم العالي الحسن النافع الموجب لكل خير.
ولما كان هذا ربما أوهم أن التأكيد في هذا الأمر لكون الحال لا يمكن انتظامه إلا به، أتبعه ما يزيل هذا الإيهام فقال :﴿ولو﴾ ولما كان لو عبر بالماضي أفاد أنه كان ولم يبق، عبر بالمضارع الدال على الحال وما بعده فقال :﴿يشاء الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له جميع صفات الكمال والقدرة على ما يمكن ﴿لانتصر منهم﴾ أي بنفسه من غير أحد انتصاراً عظيماً بأن لا يبقى منهم أحداً ﴿ولكن﴾ أوجب ذلك عليكم ﴿ليبلوا ﴾.