وَأَصْلَحَ} [ المائدة : ٣٩ ] ؟ نقول إذا كان المعطوف مفرداً أو شبيهاً بالمعطوف عليه في المعنى فالأولى أن يختلفا كما ذكرت فإنه عطف مفرد على مفرد وكذلك لو قال : كمن هو خالد في النار ومعذب فيها لأن المشابهة تنافي المخالفة، وأما إذا لم يكن كذلك كما في هذا الموضع، فإن قوله ﴿سُقُواْ مَاء﴾ جملة غير مشابهة لقوله ﴿هُوَ خالد﴾ وقوله تعالى :﴿وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً﴾ بيان لمخالفتهم في سائر أحوال أهل الجنة فلهم أنهار من ماء غير آسن، ولهم ماء حميم، فإن قيل المشابهة الإنكارية بالمخالفة على ما ثبت، وقد ذكرت البعض وقلت بأن قوله ﴿على بَيّنَةٍ﴾ في مقابلة ﴿زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ﴾ و ﴿مّن رَّبّهِ﴾ في مقابلة قوله ﴿واتبعوا أَهْوَاءهُمْ﴾ والجنة في مقابلة النار في قوله ﴿خالد فِى النار﴾ والماء الحميم في مقابلة الأنهار، فأين ما يقابل قوله ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثمرات وَمَغْفِرَةٌ﴾ فنقول تقطع الأمعاء في مقابلة مغفرة لأنا بينا على أحد الوجوه أن المغفرة التي في الجنة هي تعرية أكل الثمرات عما يلزمه من قضاء الحاجة والأمراض وغيرها، كأنه قال : للمؤمن أكل وشرب مطهر طاهر لا يجتمع في جوفهم فيؤذيهم ويحوجهم إلى قضاء حاجة، وللكافر ماء حميم في أول ما يصل إلى جوفهم يقطع أمعاءهم ويشتهون خروجه من جوفهم، وأما الثمار فلم يذكر مقابلها، لأن في الجنة زيادة مذكورة فحققها بذكر أمر زايد.
المسألة الرابعة :
الماء الحار يقطع أمعاءهم لأمر آخر غير الحرارة، وهي الحدة التي تكون في السموم المدوفة، وإلا فمجرد الحرارة لا يقطع، فإن قيل قوله تعالى :﴿فَقَطَّعَ﴾ بالفاء يقتضي أن يكون القطع بما ذكر، نقول نعم، لكنه لا يقتضي أن يقال : يقطع، لأنه ماء حميم فحسب، بل ماء حميم مخصوص يقطع. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٨ صـ ٤٧ ـ ٥٠﴾