ولما كان المقام لذم الإعراض عن الأمر، فصل بين " عسى " وخبرها بشرطية معبر فيها بالتولي بصيغة التفعل إشارة مع نهاية الذم إلى أن المعرض عن أمر الله معرض عما تدعوه الفطرة الأولى القويمة والعقل السديد إلى حسنه، فهو لا يعرض عنه إلا بمجاهدة منه لنفسه فقال تعالى :﴿إن توليتم﴾ أي بأنفسكم عن الجهاد الذي أمركم به ربكم الذي عرفكم من فوائده ما لا مزيد عليه مما لا يتركه معه عاقل ولا يتخيل تركه إلا على سبيل الفرض - بما أشارت إليه أداة الشرط - أو حصلت توليتكم بتحصيل محصل أوجبها لكم وزينها في أعينكم حتى فعلتموها، وهذا المعنى الثاني هو المراد ببنائه للمجهول في رواية رويس عن يعقوب ﴿أن تفسدوا﴾ أي توقعوا الإفساد العظيم الذي يستمر تجديده منكم ﴿في الأرض﴾ بقتال يكرهه الله ويسخطه ويغضب أشد غضب على فاعله وتكونوا في غاية الجرأة عليه، فإن الذي رحمكم بإنزال ما أنزل حكم بأن من جبن عما يرضيه رغبة في الآخرة اجترأ على ما يسخطه حباً في الدنيا، وقد كنتم في الجاهلية على ذلك في الغارة من بعضكم على بعض ونحو ذلك ﴿وتقطعوا﴾ تقطعياً عظيماً شديداً كثيراً منتشراً كبيراً ﴿أرحامكم﴾ فتكونوا بذلك أعزة على المؤمنين كما كنتم أذلة على الكافرين، وأقل ما في إعراضكم خذلانكم للمؤمنين المجاهدين بما قد يكون سبباً لظهور الكافرين عليهم فتكونوا بذلك قد جمعتم بين قطيعة أرحامهم وفقدكم لما كان يصل إليكم من منافعهم، فإن كففتم بعدهم عن قتلهم كنتم مع ما فاتكم من خيرهم أجبن الناس وأرضاهم بالعار، وإن تعاطيتم الأخذ بثأرهم كنتم كمن أخذ في فعل ما أمر به بعد فواته وأن له ذلك، وقد علم من هذا أن من أمر بالمعروف وجاهد أهل المنكر أمن الإفساد في الأرض وقطيعة الرحم، ومن تركه وقع فيهما، ويمكن أن يكون " توليتم " من ولاية الأمر، فتكون الآية مشيرة إلى ولاية الفجرة ومنذرة بذلك أن اصنع الأمر بالمعروف، وقد وقع ذلك وشوهد ما ابتنى عليه من الفساد


الصفحة التالية
Icon