عسى للتوقيع والله تعالى عالم بكل شيء فنقول فيه ما قلنا في لعل، وفي قوله ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ [ الكهف : ٧ ] إن بعض الناس قال يفعل بكم فعل المترجي والمبتلي والمتوقع، وقال آخرون كل من ينظر إليهم يتوقع منهم ذلك ونحن قلنا محمول على الحقيقة وذلك لأن الفعل إذا كان ممكناً في نفسه فالنظر إليه غير مستلزم لأمر، وإنما الأمر يجوز أن يحصل منه تارة ولا يحصل منه أخرى فيكون الفعل لذلك الأمر المطلوب على سبيل الترجي سواء كان الفاعل يعلم حصول الأمر منه وسواء أن لم يكن يعلم، مثاله من نصب شبكة لاصطياد الصيد يقال هو متوقع لذلك فإن حصل له العلم بوقوعه فيه بإخبار صادق أنه سيقع فيه أو بطريق أخرى لا يخرج عن التوقع، غاية ما في الباب أن في الشاهد لم يحصل لنا العلم فيما نتوقعه فيظن أن عدم العلم لازم للمتوقع، وليس كذلك بل المتوقع هو المنتظر لأمر ليس بواجب الوقوع نظراً لذلك الأمر فحسب سواء كان له به علم أو لم يكن وقوله ﴿إِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه من الولاية يعني إن أخذتم الولاية وصار الناس بأمركم أفسدتم وقطعتم الأرحام وثانيهما : هو من التولي الذي هو الإعراض وهذا مناسب لما ذكرنا، أي كنتم تتركون القتال وتقولون فيه الإفساد وقطع الأرحام لكون الكفار أقاربنا فلا يقع منكم إلا ذلك حيث تقاتلون على أدنى شيء كما كان عادة العرب الأول : يؤكده قراءة علي عليه السلام توليتم، أي إن تولاكم ولاة ظلمة جفاة غشمة ومشيتم تحت لوائهم وأفسدتم بإفسادهم معهم وقطعتم أرحامكم، والنبي عليه السلام لا يأمركم إلا بالإصلاح وصلة الأرحام، فلم تتقاعدون عن القتال وتتباعدون في الضلال
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣)


الصفحة التالية
Icon