لما قال الله تعالى :﴿فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أبصارهم﴾ [ محمد : ٢٣ ] كيف يمكنهم التدبر في القرآن قال تعالى :﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ﴾ وهو كقول القائل للأعمى أبصر وللأصم اسمع ؟ فنقول الجواب : عنه من ثلاثة أوجه مترتبة بعضها أحسن من البعض الأول : تكليفه ما لا يطاق جائز والله أمر من علم أنه لا يؤمن بأن يؤمن، فكذلك جاز أن يعميهم ويذمهم على ترك التدبر الثاني : أن قوله ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ﴾ المراد منه الناس الثالث : أن نقول هذه الآية وردت محققة لمعنى الآية المتقدمة، فإنه تعالى قال :﴿أولئك الذين لَعَنَهُمُ الله﴾ [ محمد : ٢٣ ] أي أبعدهم عنه أو عن الصدق أو عن الخير أو غير ذلك من الأمور الحسنة ﴿فَأَصَمَّهُمْ﴾ لا يسمعون حقيقة الكلام وأعماهم لا يتبعون طريق الإسلام فإذن هم بين أمرين، إما لا يتدبرون القرآن فيبعدون منه، لأن الله تعالى لعنهم وأبعدهم عن الخير والصدق، والقرآن منهما الصنف الأعلى بل النوع الأشرف، وأما يتدبرون لكن لا تدخل معانيه في قلوبهم لكونها مقفلة، تقديره أفلا يتدبرون القرآن لكونهم ملعونين مبعودين، أم على قلوب أقفال فيتدبرون ولا يفهمون، وعلى هذا لا نحتاج أن نقول أم بمعنى بل، بل هي على حقيقتها للاستفهام واقعة في وسط الكلام والهمزة أخذت مكانها وهو الصدر، وأم دخلت على القلوب التي في وسط الكلام.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon