ولما كان هذا أمراً منابذاً للإنسانية لأنه مباعد للدين والمروءة، سبب عنه أعلى التهديد فقال متوعداً لهم بصورة الدعاء بأن يليهم المكروه :﴿فأولى﴾ أي أشد ميل وويل وانتكاس وعثار موضع لهم في الهلكة كائن ﴿لهم﴾ أي خاص بهم، وفسرته بذلك لما تقدم في آخر الأنفال من أن مادة " ولى " تدور على الميل، فإذا كانت على صيغة أفعل التفضيل - وهو قول الأكثر - جاءت الشدة، قال الأصمعي : إنه فعل ماضٍ أي قاربهم ما يهلكهم وأولادهم الله الهلاك، وقال الرضي في باب المعرفة والنكرة : إنه علم للوعيد وفيه وزن الفعل فلذا منع من الصرف، وليس بأفعل تفضيل ولا أفعل فلاً ولا اسم فعل لأن أبا زيد حكى لحاق تاء التأنيث له فقالوا : أولاة الآن - كأرملة وهو من وله الشر أي قرنه حال، وقبوله للتاء لا يضر الوزن، لأن ذلك في علم آخر.
ولما علم بما ذكر من التسبب أن هذا الدعاء عليهم لما تقدم من سوء أدبهم في مقالهم، وقبح ما ظهر من فعالهم، حصل التشوف إلى ما ينبغي لهم، فقال تعالى على طريق النشر المشوش :﴿طاعة﴾ أي منهم ﴿وقول معروف﴾ أي بالتسليم والإذعان وحسن الانقياد خير لهم مما أظهروا من المحبة في الطاعة وما كشف حالهم عنه من الكراهة، ونكر الاسمين ليكونا صالحين للتعظيم وما دونه، ثم سبب عنهما قوله مسنداً إلى الأمر ما هو لأهله تأكيداً لمضمون الكلام :﴿فإذا عزم الأمر﴾ أي فإذا أمر بالقتال الذي ذكر في أول السورة وغيره من الأوامر أمراً مجزوماً به معزوماً عليه ﴿فلو صدقوا الله﴾ أي الملك الأعظم المحيط قدرة وعلماً في قولهم الذي قالوه في طلب التنزيل ﴿لكان﴾ صدقهم له ﴿خيراً لهم﴾ أي من تعللهم وتسللهم عنه لواذاً على تقدير التنزيل في تسليم أن في جماحهم عن الأمر وتقاعدهم عنه نوع خير، ويجوز أن يكون " خير " اسماً لا للتفضيل ليفهم أن كذبهم شر لهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٧ صـ ١٦٧ ـ ١٦٨﴾


الصفحة التالية
Icon