لا بل من لم يؤمن بمحمد ﷺ، لا يؤمن بالله ولا برسله ولا بالحشر، لأن الله كما أخبر عن الحشر وهو جائز، أخبر عن نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام، وهي جائزة فإذا لم يصدق الله في شيء لا ينفي الكذب بقول الله في غيره، فلا يكون مصدقاً موقناً بالحشر، ولا برسالة أحد من الأنبياء، لأن طريق معرفتهم واحد، والمراد من الذين كرهوا ما نزل الله هم المشركون والمنافقون، وقيل المراد اليهود، فإن أهل مكة قالوا لهم : نوافقكم في إخراج محمد وقتله وقتال أصحابه، والأول أصح، لأن قوله ﴿كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله﴾ لو كان مسنداً إلى أهل الكتاب لكان مخصوصاً ببعض ما أنزل الله، وإن قلنا بأنه مسند إلى المشركين يكون عاماً، لأنهم كرهوا ما نزل الله وكذبوا الرسل بأسرهم، وأنكروا الرسالة رأساً، وقوله ﴿سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الأمر﴾ يعني فيما يتعلق بمحمد من الإيمان به فلا نؤمن، والتكذيب به فنكذبه كما تكذبونه والقتال معه، وأما الإشراك بالله، واتخاذ الأنداد له من الأصنام، وإنكار الحشر والنبوة فلا، وقوله ﴿والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ قال أكثرهم : المراد منه هو أنهم قالوا ذلك سراً، فأفشاه الله وأظهره لنبيه عليه الصلاة والسلام، والأظهر أن يقال ﴿والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ وهو ما في قلوبهم من العلم بصدق محمد عليه الصلاة والسلام، فإنهم كانوا مكابرين معاندين، وكانوا يعرفون رسول الله ﷺ كما يعرفون أبناءهم، وقرىء ﴿إِسْرَارَهُمْ﴾ بكسر الهمزة على المصدر (١)، وما ذكرنا من المعنى ظاهر على هذه القراءة، فإنهم كانوا يسرون نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى قولنا المراد من الذين ارتدوا المنافقون، فكانوا يقولون للمجاهدين من الكفار ﴿سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الأمر﴾ وكانوا يسرون أنهم إن غلبوا انقلبوا، كما قال الله تعالى ﴿ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم﴾ [ العنكبوت : ١٠
] وقال تعالى :﴿فَإِذَا جَاء الخوف سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ [ الأحزاب : ١٥ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٨ صـ ٥٨ ـ ٥٩﴾