وهذا قول ابن عباس والضحاك والسدّي، وعليه فلعل المراد : الجماعة الذين انخزلوا يوم أُحُد مع عبد الله بن أُبَيّ بن سلول، والارتداد على الأدْبار على هذا الوجه حقيقة لأنهم رجعوا عن موقع القتال بعد أن نزلوا به فرجعوا إلى المدينة وكانت المدينة خلفهم.
وهذا عندي أظهر الوجهين وأليق بقوله بعد ﴿ ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزّل الله سنطيعكم في بعض الأمر إلى قوله :{ وأدبارهم ﴾ [ محمد : ٢٦، ٢٧ ].
والهدى على هذا الوجه هو الحقّ، أي من بعد ما علموا أن الحق قتال المشركين.
وأوثر أن يكون خبر ( إنَّ ) جملة ليتاتَّى بالجملة اشتمالها على خصائص الابتداءِ باسم الشيطان للاهتمام به في غرض ذمهم، وأن يسند إلى اسمه مُسند فعلي ليفيد تقوّي الحكم نحو : هو يعطي الجزيل.
والتسويل : تسهيل الأمر الذي يستشعر منه صعوبة أو ضر وتزيين ما ليس بحسن.
والإملاء : المدّ والتمديد في الزمان، ويطلق على الإبقاء على الشيء كثيراً، أي أراهم الارتداد حسناً دائماً كما حكى عنه في قوله تعالى :﴿ قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخُلد ومُلك لا يبلى ﴾ [ طه : ١٢٠ ]، أي أن ارتدادهم من عمل الشيطان.
وقرأ الجمهور ﴿ وأملى لهم ﴾ بفتح الهمزة على صيغة المبني للفاعل.
وقرأه أبو عمرو بضم الهمزة وكسر اللام وفتح التحتية على صيغة المبني إلى المجهول.
وقرأه يعقوب بضم الهمزة وكسر اللام وسكون التحتية على أنه مسند إلى المتكلم فالضمير عائد إلى الله تعالى، أي الشيطان سَوّل لهم وأنا أُملِي لهم فيكون الكلام وعيداً، أي أنا أؤخرهم قليلاً ثم أعاقبهم.
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (٢٦)


الصفحة التالية
Icon