أحدها : ما روي عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال :" إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا " فإن قيل : هذا الحديث متروك الظاهر، لأنه يقتضي وجوب السعي وهو العدو، ذلك غير واجب قلنا : لا نسلم أن السعي عبارة عن العدو بدليل قوله :﴿فاسعوا إلى ذِكْرِ الله﴾ [الجمعة : ٩] والعدو فيه غير واجب، وقال الله تعالى :﴿وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى﴾ [النجم : ٣٩] وليس المراد منه العدو، بل الجد والاجتهاد في القصد والنية، سلمنا أنه يدل على العدو، ولكن العدو مشتمل على صفة ترك العمل به في حق هذه الصفة، فيبقى أصل المشي واجباً.
وثانيها : ما ثبت أنه ـ عليه السلام ـ سعى لما دنا من الصفا في حجته، وقال :" إن الصفا والمروة من شعائر الله ابدؤا بما بدأ الله به " فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت، وإذا ثبت أنه ـ عليه السلام ـ سعى وجب أن يجب علينا السعي للقرآن والخبر، أما القرآن : فقوله تعالى :﴿واتبعوه﴾ وقوله :﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعونى﴾ [آل عمران : ٣١] وقوله :﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب : ٢١] وأما الخبر فقوله ـ عليه السلام ـ :" خذوا عني مناسككم " والأمر للوجوب.
وثالثها : أنه أشواط شرعت في بقعة من بقاع الحرم، أو يؤتى به في إحرام كامل فكان جنسها ركناً كطواف الزيارة، ولا يلزم طواف الصدر لأن الكلام للجنس لوجوبه مرة، واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه بوجهين.
أحدهما : هذه الآية وهي قوله :﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ وهذا لا يقال في الواجبات.
ثم إنه تعالى أكد ذلك بقوله :﴿وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ فبين أنه تطوع وليس بواجب.
وثانيهما : قوله :" الحج عرفة" ومن أدرك عرفة فقد تم حجه، وهذا يقتضي التمام من جميع الوجوه، ترك العمل به في بعض الأشياء، فيبقى معمولاً به في السعي والجواب عن الأول من وجوه.


الصفحة التالية
Icon