قوله تعالى ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾
ولما كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يقصدوا بترك الطواف بينهما إلا الطاعة فأعلموا أن الطواف بينهما طاعة، عبر بما يفيد مدحهم فقال تعالى :﴿ومن تطوع﴾ قَالَ الحرالي : أي كلف نفسه معاهدة البر والخير من غير استدعاء له ﴿خيراً﴾ فيه إعلام بفضيلة النفقة في الحج والعمرة بالهدي ووجوه المرافق للرفقاء بما يفهمه لفظ الخير، لأن عرف استعماله في خير الرزق والنفقة، كما قال تعالى :﴿وإنه لحب الخير لشديد﴾ [العاديات : ٨] و﴿إن ترك خيراً﴾ [البقرة : ١٨٠] ؛ ولما كان رفع الجناح تركاً عادلها في الخطاب بإثبات عمل خير ليقع في الخطاب إثبات يفيد عملاً حين لم يفد الأول إلا تركاً، فمن تحقق بالإيمان أجزل نفقاته في الوفادة على ربه واختصر في أغراض نفسه، ومن حرم النصف من دنياه اقتصر في نفقاته في وفادته على ربه وأجزل نفقاته في أغراض نفسه وشهوات عياله، فذلك من أعلام المؤمنين وأعلام الجاهلين، من وفد على الملك أجزل ما يقدم بين يديه، وإنما قدمه بالحقيقة لنفسه لا لربه، فمن شكر نعمة الله بإظهارها حين الوفادة، عليه في آية بعثة إليه ولقائه له شكراً لله له ذلك يوم يلقاه، فكانت هدايا الله له يوم القيامة أعظم من هديه إليه يوم الوفادة عليه في حجه وعمرته ﴿فإن الله﴾ أي المحيط بجميع صفات الكمال ﴿شاكر﴾ أي مجاز بالأعمال مع المضاعفة لثوابها ؛ قال الحرالي : وقوله :﴿عليم﴾ فيه تحذير من مداخل الرياء والسمعة في إجزال النفقات لما يغلب على النفس من التباهي في إظهار الخير - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٢٨٧ ـ ٢٨٨﴾.
فائدة
الذين قالوا : السعي واجب، فسروا هذا التطوع بالسعي الزائد على قدر الواجب ومنهم من فسره بالسعي في الحجة الثانية التي هي غير واجبة وقال الحسن : المراد منه جميع الطاعات وهذا أولى لأنه أوفق لعموم اللفظ. أ هـ
﴿مفاتيح الغيب حـ ١ صـ ١٤٦ ـ ١٤٧﴾


الصفحة التالية
Icon