وإن كان في حرب ومقاتلة يسمى : شجاعة، ويضاده الجبن، وإن كان في كظم الغيظ والغضب يسمى : حلماً، ويضاده النزق، وإن كان في نائبة من نوائب الزمان مضجرة سمي : سعة الصدر، ويضاده الضجر والندم وضيق الصدر وإن كان في إخفاء كلام يسمى : كتمان النفس ويسمى صاحبه : كتوماً، وإن كان عن فضول العيش سمي زهداً، ويضاده الحرص وإن كان على قدر يسير من المال سمي بالقناعة ويضاده الشره وقد جمع الله تعالى أقسام ذلك وسمي الكل صبراً فقال :﴿الصابرين فِى البأساء﴾ أي المصيبة.
﴿والضرآء﴾ أي الفقر :﴿وَحِينَ البأس﴾ أي المحاربة :﴿أولئك الذين صَدَقُواْ وأولئك هُمُ المتقون﴾ [البقرة : ١٧٧] قال القفال رحمه الله ليس الصبر أن لا يجد الإنسان ألم المكروه ولا أن لا يكره ذلك لأن ذلك غير ممكن، إنما الصبر هو حمل النفس على ترك إظهار الجزع، فإذا كظم الحزن وكف النفس عن إبراز آثاره كان صاحبه صابراً، وإن ظهر دمع عين أو تغير لون، قال ـ عليه السلام ـ :" الصبر عند الصدمة الأولى " وهو كذلك، لأن من ظهر منه في الابتداء ما لا يعد معه من الصابرين ثم صبر، فذلك يسمى سلوا وهو مما لا بد منه قال الحسن : لو كلف الناس إدامة الجزع لم يقدروا عليه والله أعلم. أ هـ
﴿مفاتيح الغيب حـ ٤صـ ١٣٧ ـ ١٣٨﴾
من المعانى الجليلة فى الآية
دلت هذه الآية على أمور.
أحدها : أن هذه المحن لا يجب أن تكون عقوبات لأنه تعالى وعد بها المؤمنين من الرسول وأصحابه.
وثانيها : أن هذه المحن إذا قارنها الصبر أفادت درجة عالية في الدين.
وثالثها : أن كل هذه المحن من الله تعالى خلاف قول الثنوية الذين ينسبون الأمراض وغيرها إلى شيء آخر، وخلاف قول المنجمين الذين ينسبونها إلى سعادة الكواكب ونحوستها.
ورابعها : أنها تدل على أن الغذاء لا يفيد الشبع، وشرب الماء لا يفيد الري، بل كل ذلك يحصل بما أجرى الله العادة به عند هذه الأسباب، لأن قوله :﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم﴾ صريح في إضافة هذه الأمور إلى الله تعالى وقول من قال : إنه تعالى لما خلق أسبابها صح منه هذا القول ضعيف لأنه مجاز والعدول إلى المجاز لا يمكن إلا بعد تعذر الحقيقة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٤صـ ١٣٩﴾