وأول تلك الابتلاءات هو الخوف، والخوف هو انزعاج النفس وعدم اطمئنانها من توقع شيء ضار، فالنفس لها ملكات متعددة، وعندما يصيبها الخوف، فهي تعاني من عدم الانسجام، والخوف خور لا ضرورة له، لأنك إذا كنت تريد أن تؤمن نفسك من أمر يخفيك، فأنت تحتاج إلي أن تجتهد بأسبابك لتعوق هذا الذي يخيفك، أما إن استسلمت للانزعاج، فلن تستطيع مواجهة الأمر المخيف بكل ملكاتك، لأنك ستواجهه ببعض من الملكات الخائرة المضطربة، بينما أنت تحتاج إلي استقرار الملكات النفسية ساعة الخوف ؛ حتى تستطيع أن تمد نفسك بما يؤمنك من هذا الخوف. أما إن زاد انزعاجك عن الحد، فأنت بذلك تكون قد أعنت مصدر الخوف على نفسك ؛ لأنك لن تواجه الأمر بجميع قواك، ولا بجميع تفكيرك.
إذن فالذي يخاف من الخوف ؛ نقول له : أنت معين لمصدر الخوف على نفسك، وخوفك وانزعاجك لن يمنع الخوف، ولذلك لابد لك من أن تنشغل بما يمنح الأمر المخوف، ودع الأمر المخوف إلي أن يقع، فلا تعش في فزعه قبل أن يأتيك، فآفة الناس أنهم يعيشون في المصائب قبل وقوعها، وهم بذلك يطيلون على أنفسهم أمد المصائب. إن المصيبة قد تأتي ـ مثلا ـ بعد شعر، فلماذا تطيل من عمر المصيبة بالتوجس منها والرهبة من مواجهتها ؟ إنك لو تركتها إلي أن تقع ؛ تكون قد قصرت مسافتها. ولك أن تعرف أن الحق سبحانه وتعالى ساعة تأتي المصيبة فهو برحمته ينزل معه اللطف، فكأنك إن عشت في المصيبة قبل أن تقع، فأنت تعيش في المصيبة وحدها معزولة عن اللطف المصاحب لها، لكن لو ظللت صابراً محتسباً قادراً على مواجهة أي أمر صعب، فأنت لن تعيش في المصيبة بدون اللطف.