وعندما رجع رسول الله ﷺ منتصرا اعتذر له من لم يشاركوه رحلة النصر بأنهم كانوا لا يملكون وسائل الحرب من دواب ودروع وسيوف ونبال، فقبل رسول الله علانيتهم وترك سرائرهم لله، إلا ثلاثة صدقوا وقالوا :" يا رسول الله ما كنا أغنى منا ساعة امتنعنا عن الذهاب معك فعندنا عدة الحرب والدواب". لقد أمر رسول الله الناس ألا يكلموهم ولا يتعاملوا معهم، واستكان اثنان منهم وظلا في بيتهما، وهما هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، أما كعب بن مالك فكان يخرج ويلقى الناس فلا يكلمه أحد، ويذهب للصلاة مع رسول الله ﷺ ويسارق النظر إلى النبي ويسلم عليه، لكن رسول الله لا يرد، ويغض طرفه ويعرض عنه، حتى أن كعباً يقول :" فانظر هل حرك رسول الله شفتيه برد السلام أم لا ؟".
لماذا كل ذلك ؟. لقد أرادها النبي ﷺ وسيلة إيضاح لكيفية إبعاد التأديب. وضاقت الدنيا على الثلاثة، وذهب كعب إلى ابن عمه أبي قتادة وتسلق عليه الحائط، لأنه يعلم أنه لو طرق الباب فلن يفتح له. ورغم تسلق الحائط إلا أن ابن العم أعرض عنه، فقال راجيا :" أنشدك الله، أنشدك الله، أنشدك الله" كل ذلك وابن عمه لا يرد عليه، ثم قال له :" تعلم أني احب رسول الله". فلم يرد عليه ابن العم وظل يتوسل سائلا عن موعد العفو، فقال أبو قتادة :" الله ورسوله أعلم".