وقال البقاعى :
﴿أولئك﴾ خطاباً لنبيه واستحضاراً لهم بمحل بعد عن قربه وغيبة عن إقباله عليهم. قال :﴿عليهم صلوات﴾ صلاة الله على عباده هي إقباله عليهم بعطفه إخراجاً لهم من حال ظلمة إلى رفعة نور، قال :﴿هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور﴾ [الأحزاب : ٤٣] فبصلاتهم عليهم إخراجهم من جهات ما أوقعهم في وجوه تلك الابتلاءات، فلذلك كان ذلك صلوات بالجمع ولم يكن صلاة ليعدد ما أصابهم منه عدد تلك الابتلاءات، وفي قوله تعالى :﴿من ربهم﴾ إشعار بتدريجهم في ذلك بحكم تربية وتدارك الأحوال ما أصابهم، قال تعالى :﴿ورحمة﴾ إفراد لمنالها لهم بعد متقدم الصلوات عليهم، فنالتهم الرحمة جمعاً حين أخرجتهم الصلوات أفراداً. قال تعالى :﴿وأولئك﴾ إشارة إلى الذين نالتهم الصلوات والرحمة فأبقاهم مع ذلك في محل بعد في الحضرة وغيبة في الخطاب ﴿هم المهتدون﴾ فجاء بلفظ ﴿هم﴾ إشعاراً بصلاح بواطنهم عما جره الابتلاء من أنفسهم - انتهى. والذي يلوح لي أن أداة البعد في ﴿أولئك﴾ إشارة إلى علو مقامهم وعز مرامهم، ولذا عبر عن هدايتهم بالجملة الاسمية على وجه يفهم الحصر ؛ والصلاة الإنعام بما يقتضي التشريف، والرحمة الإنعام بما يقتضي العطف والتَحنّن - والله سبحانه وتعالى الموفق. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٢٨٢﴾
قال الفقيه أبو الليث السمرقندى :
والصلاة من الله تعالى على ثلاثة أشياء : توفيق الطاعة والعصمة عن المعصية ومغفرة الذنوب جميعاً، فبالصلاة الواحدة تتكون لهم هذه الأشياء الثلاثة، فقد وعد لهم الصلوات الكثيرة، ومقدار ذلك لا يعلمه إلا الله. أ هـ ﴿بحر العلوم حـ ١ صـ ١٣٢﴾
وقال العلامة ابن عاشور :
وأفيد مضمون الجملة الذي هو حصول الصلوات والرحمة والهدى للصابرين بطريقة التبشير على لسان الرسول تكريماً لشأنه، وزيادة في تعلق المؤمنين به بحيث تحصل خيراتهم بواسطته، فلذلك كان من لطائف القرآن إسنادُ البلوى إلى الله بدون واسطة الرسول، وإسنادُ البِشارة بالخير الآتي من قِبَل الله إلى الرسول. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٥٧﴾


الصفحة التالية