ولما كان الناس متقاربين في الجبلات، وكان المال محبوباً، كان من المستبعد جداً أن يكون هذا البذل على غير ما هم عليه، قال تعالى مشيراً إلى ذلك بحرف التراخي تأكيداً لما أفهمه ما قلته من التعبير ب " غير " وتثبيتاً له :﴿ثم﴾ أي بعد استبعاد من يستبعد وعلو الهمة في مجاوزة جميع عقبات النفس والشيطان :﴿لا يكونوا أمثالكم﴾ في التولي عنه بترك شيء مما أمر به أو فعل شيء مما نهى عنه، ومن قدر على الإيجاد قدر على الإعدام.
بل هو أهون في مجاري العادات، فقد ثبت أنه سبحانه لو شاء لانتصر من الكفار، إما بإهلاكهم أو إما بناس غيركم بضرب رقابهم وأسرهم، وغير ذلك من أمرهم، وثبت بمواصلة ذم الكفار مع قدرته عليهم أنه أبطل أعمالهم، فرجع بذلك أول السورة إلى آخرها، وعانق موصله ما ترى من مفصلها، وعلم أن معنى هذا الآخر وذلك الأول أنه سبحانه لا بد من إذلاله للكافرين وإعزازه للمؤمنين لأنهم إن أقبلوا على ما يرضيه فجاهدوا نصرهم نصراً عزيزاً بما ضمنه قوله تعالى ﴿إن تنصروا الله ينصركم وثبت أقدامكم﴾ وإن تتولوا أتى بقوم غيركم يقبلون عليه فيصدقهم وعده، فصار خذلانهم أمراً متحتماً، وهو معنى أول سورة محمد - والله الموفق لما يريد من الصواب. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٧ صـ ١٧٩ ـ ١٨٢﴾