( يعني ) قد طلبت منكم اليسير فبخلتم فكيف لو طلبت منكم الكل وقوله ﴿هؤلاء﴾ يحتمل وجهين : أحدهما : أن تكون موصولة كأنه قال : أنتم هؤلاء الذين تدعون لتنفقوا في سبيل الله وثانيهما :﴿هؤلاء﴾ وحدها خبر ﴿أَنتُمْ﴾ كما يقال أنت هذا تحقيقاً للشهرة والظهور أي ظهر أثركم بحيث لا حاجة إلى الإخبار عنكم بأمر مغاير ثم يبتدىء ﴿تَدْعُونَ﴾ وقوله ﴿تَدْعُونَ﴾ أي إلى الإنفاق إما في سبيل الله تعالى بالجهاد، وإما في صرفه إلى المستحقين من إخوانكم، وبالجملة ففي الجهتين تخذيل الأعداء ونصرة الأولياء ﴿فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ﴾، ثم بيّن أن ذلك البخل ضرر عائد إليه فلا تظنوا أنهم لا ينفقونه على غيرهم بل لا ينفقونه على أنفسهم فإن من يبخل بأجرة الطبيب وثمن الدواء وهو مريض فلا يبخل إلا على نفسه، ثم حقق ذلك بقوله ﴿والله الغني﴾ غير محتاج إلى مالكم وأتمه بقوله ﴿وَأَنتُمُ الفقراء﴾ حتى لا تقولوا إنا أيضاً أغنياء عن القتال، ودفع حاجة الفقراء فإنهم لا غنى لهم عن ذلك في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلأنه لولا القتال لقتلوا، فإن الكافر إن يغز يغز، والمحتاج إن لم يدفع حاجته يقصده، لا سيما أباح الشارع للمضطر ذلك، وأما في الآخرة فظاهر فكيف لا يكون فقيراً وهو موقوف مسؤول يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ثم قال تعالى :﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم﴾ بيان الترتيب من وجهين : أحدهما : أنه ذكره بياناً للاستغناء، كما قال تعالى :﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ إبراهيم : ١٩ ] وقد ذكر أن هذا تقرير بعد التسليم، كأنه تعالى يقول : الله غني عن العالم بأسره فلا حاجة له إليكم.