وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين ﴾
وقرأ جمهور القراء :" ولنبلونكم " بالنون، وكذلك " نعلم " وكذلك " نبلوا "، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر :" وليبلونكم الله "، وكذلك " يعلم " ويبلو ".
وروى رويس عن يعقوب :" ويبلو " بالرفع على القطع والإعلام بأن ابتلاءه دائم. وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية بكى، وقال : اللهم لا تبتلنا، فإنك إن ابتليتنا فضحتنا وهتكت أستارنا.
وقوله تعالى :﴿ حتى نعلم المجاهدين ﴾ أي حتى يعلمهم مجاهدين قد خرج جهادهم إلى الوجود وبان تكسبهم الذي به يتعلق ثوابهم، وعلم الله بالمجاهدين قديم أزلي، وإنما المعنى ما ذكرناه.
وقوله تعالى :﴿ وصدوا ﴾ يحتمل أن يكون المعنى :﴿ وصدوا ﴾ غيرهم، ويحتمل أن يكون غير متعد، بمعنى : وصدوهم في أنفسهم.
وقوله :﴿ وشاقوا الرسول ﴾ معناه : خالفوه، فكانوا في شق وهو في شق. وقوله :﴿ من بعد ما تبين لهم الهدى ﴾ قالت فرقة : نزلت في قوم من بني إسرائيل فعلوا هذه الأفاعيل بعد تبينهم لأمر محمد عليه السلام من التوراة. وقالت فرقة : نزلت في قوم من المنافقين حدث النفاق في نفوسهم بعد ما كان الإيمان داخلها. وقال ابن عباس : نزلت في المطعمين سفرة بدر، و: " تبين الهدى " هو وجوده عند الداعي إليه. وقالت فرقة : بل هي عامة في كل كافر، وألزمهم أنه قد ﴿ تبين لهم الهدى ﴾ من حيث كان الهدى بيناً في نفسه، وهذا كما تقول لإنسان يخالفك في احتجاج على معنى التوبيخ له : أنت تخالف في شيء لا خفاء به عليك، بمعنى أنه هكذا هو في نفسه. وقوله :﴿ لن يضروا الله ﴾ تحقير لهم.