هذا هو الجو الذي نزلت فيه السورة. الجو الذي اطمأنت فيه نفس الرسول ( ﷺ ) إلى إلهام ربه، فتجرد من كل إرادة إلا ما يوحيه هذا الإلهام العلوي الصادق ; ومضى يستلهم هذا الإيحاء في كل خطوة وفي كل حركة، لا يستفزه عنه مستفز، سواء من المشركين أو من أصحابه الذين لم تطمئن نفوسهم في أول الأمر لقبول استفزاز المشركين وحميتهم الجاهلية. ثم أنزل الله السكينة في قلوبهم، ففاءوا إلى الرضى واليقين والقبول الخالص العميق ; كإخوانهم الذين كانوا على هذه الحال منذ أول الأمر، شأن الصديق أبي بكر الذي لم تفقد روحه لحظة واحدة صلتها الداخلية المباشرة بروح رسول الله ( ﷺ ) ومن ثمبقيت على اطمئنانها دائما، ولم تفارقها الطمأنينة أبدا.
ومن ثم جاء افتتاح السورة بشرى لرسول الله ( ﷺ )، فرح لها قلبه الكبير فرحا عميقا:(إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما. وينصرك الله نصرا عزيزا).
كما جاء في الافتتاح، الامتنان على المؤمنين بالسكينة، والاعتراف لهم بالإيمان السابق وتبشيرهم بالمغفرة والثواب، وعون السماء بجنود الله:(هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا - مع إيمانهم - ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما، ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ويكفر عنهم سيئاتهم، وكان ذلك عند الله فوزا عظيما).. ذلك مع ما أعده لأعدائهم من المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات من غضب وعذاب:(ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات، الظانين بالله ظن السوء، عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم، وأعد لهم جهنم، وساءت مصيرا)..


الصفحة التالية
Icon