فكانت هذه الشروط المجحفة "حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ" استولت عليهم فأخذت على قلوبهم بها ليس إلا، وإلّا فماذا يضرهم لو تركوهم يزورون ويذبحون نسكهم ويكتبون اسم اللّه ورسوله ويقابلونهم بالمثل فيمن يأتي من الطّرفين، ولهذا اغتاظ المؤمنون وأبو ألا أن يكون ما رفضوه أو يقاتلونهم "فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ" طمأنيته ووقاره وانائته "عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ" فأزال غضبهم وحنقهم ووسع صدورهم حتى خضعوا لذلك وعصمهم اللّه من أن يداخل قلوبهم شيء من الأنفة التي أخذت سهيلا ورفاقه الّذين تولوا تدوين شروط المعاهدة المشار إليها في الآية ١٠ من سورة الممتحنة المارة وقبولها مع الكراهة.
قال تعالى (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) الآية ١٨ من سورة النّساء المارة، وكان كذلك كما ذكرناه في الآية ٧٥ من سورة النّساء أيضا فراجعها "وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى " المندرج تحتها السّمع والطّاعة والإخلاص والثبات والصّبر والوفاء وكل
خير "وَكانُوا" أصحاب محمد أهل بيعة الرّضوان "أَحَقَّ بِها" بتلك الكلمة المنطوية على فروع كثيرة من كفار المتلبسين بكلمة الكفر "وَأَهْلَها" المؤمنون المتلبسون بها، لأنهم الموحدون اللّه المتصفون بتقواه فهم أولى بالتّسربل بها، لأن اللّه كتبها لهم في علمه الأزلي "وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً" (٢٦) ومن جملتها علمه بأن هذا الصّلح الذي يراه المؤمنون مجحفا فيهم خير لهم لما فيه من الفوائد التي سيطلعهم اللّه عليها بعد، والنّوائب للكافرين التي سيريهم إياها.


الصفحة التالية
Icon