يستدعي فعلاً سابقاً ﴿لّيُدْخِلَ﴾ فإن من قال ابتداء لتكرمني لا يصح ما لم يقل قبله جئتك أو ما يقوم مقامه وفي ذلك الفعل وجوه وضبط الأحوال فيه بأن تقول ذلك الفعل إما أن يكون مذكوراً بصريحه أو لا يكون، وحينئذ ينبغي أن يكون مفهوماً، فإما أن يكون مفهوماً من لفظ يدل عليه بل فهم بقرينة حالية فإن كان مذكوراً فهو يحتمل وجوهاً أحدها : قوله ﴿لِيَزْدَادُواْ إيمانا﴾ [ الفتح : ٤ ] كأنه تعالى أنزل السكينة ليزدادوا إيماناً بسبب الإنزال ليدخلهم بسبب الإيمان جنّات، فإن قيل فقوله ﴿وَيُعَذّبَ﴾ [ الفتح : ٦ ] عطف على قوله ﴿لّيُدْخِلَ﴾ وازدياد إيمانهم لا يصلح سبباً لتعذيبهم، نقول بلى وذلك من وجهين أحدهما : أن التعذيب مذكور لكونه مقصوداً للمؤمنين، كأنه تعالى يقول بسبب ازديادكم في الإيمان يدخلكم في الآخرة جنّات ويعذب بأيديكم في الدنيا الكفار والمنافقين الثاني : تقديره ويعذب بسبب ما لكم من الازدياد، يقال فعلته لأجرب به العدو والصديق أي لأعرف بوجوده الصديق وبعدمه العدو فكذلك ليزداد المؤمن إيماناً فيدخله الجنة ويزداد الكافر كفراً فيعذبه به ووجه آخر ثالث : وهو أن سبب زيادة إيمان المؤمنين بكثرة صبرهم وثباتهم فيعيى المنافق والكافر معه ويتعذب وهو قريب مما ذكرنا الثاني : قوله ﴿وَيَنصُرَكَ الله﴾ [ الفتح : ٣ ] كأنه تعالى قال وينصرك الله بالمؤمنين ليدخل المؤمنين جنّات الثالث : قوله ﴿لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ﴾ [ الفتح : ٢ ] على قولنا المراد ذنب المؤمن كأنه تعالى قال ليغفر لك ذنب المؤمنين، ليدخل المؤمنين جنات، وأما إن قلنا هو مفهوم من لفظ غير صريح فيحتمل وجوهاً أيضاً أحدها : قوله ﴿حَكِيماً﴾ [ الفتح : ٤ ] يدل على ذلك كأنه تعالى قال : الله حكيم، فعل ما فعل ليدخل المؤمنين جنات وثانيها : قوله تعالى :﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ [ الفتح : ٢ ] في الدنيا والآخرة، فيستجيب دعاءك في