ولما قرر ما لهم في الدارين، وكان قد يظن أنه يخص الدنيا فلا يوجب عذاب الآخرة، أتبعه بما يخصها فقال :﴿وأعد﴾ أي هيأ الآن ﴿لهم جهنم﴾ تلقاهم بالعبوسة والغيظ والزفير والتجهم كما كانوا يتجهمون عباد الله مع ما فيها من العذاب بالحر والبرد والإحراق، وغير ذلك من أنواع المشاق.
ولما كان التقدير : فساءت معداً، عطف عليه قوله :﴿وساءت مصيراً ﴾.
ولما كان هذا معلماً بأن الكفار - مع ما يشاهد منهم من الكثرة الظاهرة والقوة المتضافرة المتوافرة - لا اعتبار لهم لأن البلاء محيط بهم في الدارين، وكان ذلك أمراً يوجب تشعب الفكر في المؤثر فيهم ذلك، عطف على ما تقديره إعلاماً بأن التدبير على هذا الوجه لحكم ومصالح يكل عنها الوصف، ودفعاً لما قد يتوهمه من لم يرسخ إيمانه مما يجب التنزيه عنه : فللّه القوة جميعاً يفعل ما يشاء فيمن يشاء من غير سبب ترونه :﴿ولله﴾ أي الملك الأعظم ﴿جنود السماوات والأرض﴾ فهو يسلط ما يشاء منها على من يشاء.
ولما كان ما ذكر من عذاب الأعداء وثواب الأولياء متوقفاً على تمام العلم ونهاية القدرة التي يكون بها الانتقام والسطوة قال تعالى :﴿وكان الله﴾ الملك الذي لا أمر لأحد مع أزلاً وأبداً ﴿عزيزاً﴾ يغلب ولا يغلب ﴿حكيماً﴾ يضع الشيء في أحكم مواضعه، فلا يستطاع نقض شيء مما ينسب إليه سبحانه وتعالى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٧ صـ ١٩٠ ـ ١٩٢﴾


الصفحة التالية
Icon