لما بيّن حال المنافقين ذكر المتخلفين، فإن قوماً من الأعراب امتنعوا عن الخروج مع رسول الله ﷺ لظنهم أنه يهزم، فإنهم قالوا أهل مكة يقاتلون عن باب المدينة، فكيف يكون حالهم إذا دخلوا بلادهم وأحاط بهم العدو فاعتذروا، وقولهم ﴿شَغَلَتْنَا أموالنا وَأَهْلُونَا﴾ فيه أمران يفيدان وضوح العذر أحدهما :( قولهم ) ﴿أَمْوَالُنَا﴾ ولم يقولوا شغلتنا الأموال، وذلك لأن جمع المال لا يصلح عذراً ( لأنه ) لا نهاية له، وأما حفظ ما جمع من الشتات ومنع الحاصل من الفواتت يصلح عذراً، فقالوا ﴿شَغَلَتْنَا أموالنا﴾ أي ما صار مالاً لنا لا مطلق الأموال وثانيهما : قوله تعالى :﴿وَأَهْلُونَا﴾ وذلك لو أن قائلاً قال لهم : المال لا ينبغي أن يبلغ إلى درجة يمنعكم حفظه من متابعة الرسول ﷺ لكان لهم أن يقولوا : فالأهل يمنع الاشتغال بهم وحفظهم عن أهم الأمور، ثم إنهم مع العذر تضرعوا وقالوا ﴿فاستغفر لَنَا﴾ يعني فنحن مع إقامة العذر معترفون بالإساءة، فاستغفر لنا واعف عنا في أمر الخروج، فكذبهم الله تعالى فقال :﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ﴾ وهذا يحتمل أمرين أحدهما : أن يكون التكذيب راجعاً إلى قولهم ﴿فاستغفر لَنَا﴾ وتحقيقه هو أنهم أظهروا أنهم يعتقدون أنهم مسيئون بالتخلف حتى استغفروا، ولم يكن في اعتقادهم ذلك، بل كانوا يعتقدون أنهم بالتخلف محسنون ثانيهما : قالوا ﴿شَغَلَتْنَا﴾ إشارة إلى أن امتناعنا لهذا لا غير، ولم يكن ذلك في اعتقادهم، بل كانوا يعتقدون امتناعهم لاعتقاد أن النبي ﷺ والمؤمنون يقهرون ويغلبون، كما قال بعده ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً﴾ [ الفتح : ١٢ ] وقوله ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً﴾ معناه أنكم تحترزون عن