قل : فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً؟ بل كان الله بما تعملون خبيرا. بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً، وزين ذلك في قلوبكم، وظننتم ظن السوء، وكنتم قوماً بورا. ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا. ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وكان الله غفوراً رحيما. سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها : ذرونا نتَّبِعكم. يريدون أن يبدِّلوا كلام الله. قل : لن تَتَّبِعونا. كذلكم قال الله من قبل. فسيقولون : بل تحسدوننا. بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا. قل للمخلفين من الأعراب : ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد، تقاتلونهم أو يسلمون، فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً، وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليما }..
والقرآن لا يكتفي بحكاية أقوال المخلفين والرد عليها ؛ ولكنه يجعل من هذه المناسبة فرصة لعلاج أمراض النفوس، وهواجس القلوب، والتسلل إلى مواطن الضعف والانحراف لكشفها تمهيداً لعلاجها والطب لها. ثم لإقرار الحقائق الباقية والقيم الثابتة، وقواعد الشعور والتصور والسلوك.
فالمخلفون من الأعراب - وكانوا من أعراب غفار ومزينة وأشجع وأسلم وغيرهم ممن حول المدينة - سيقولون اعتذاراً عن تخلفهم :﴿ شغلتنا أموالنا وأهلونا ﴾.. وليس هذا بعذر. فللناس دائماً أهل وأموال. ولو كان مثل هذا يجوز أن يشغلهم عن تكاليف العقيدة، وعن الوفاء بحقها ما نهض أحد قط بها.. وسيقولون ﴿ فاستغفر لنا ﴾.. وهم ليسوا صادقين في طلب الاستغفار كما ينبئ الله رسوله ـ ﷺ ـ " يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ".
هنا يرد عليهم بتقرير حقيقة القدر الذي لا يدفعه تخلف، ولا يغيره إقدام ؛ وبحقيقة القدرة التي تحيط بالناس وتتصرف في أقدارهم كما تشاء. وبحقيقة العلم الكامل الذي يصرف الله قدره على وفقه :


الصفحة التالية
Icon