والله يجزي الناس بأعمالهم ولكن مشيئته مطلقة لا ظل عليها من قيد، وهو يقرر هذه الحقيقة هنا لتستقر في القلوب. غير متعارضة مع ترتيب الجزاء على العمل، فهذا الترتيب اختيار مطلق لهذه المشيئة.
ومغفرة الله ورحمته أقرب. فليغتنمها من يريد، قبل أن تحق كلمة الله بعذاب من لم يؤمن بالله ورسوله، بالسعير الحاضرة المعدة للكافرين.
ثم يلوح ببعض ما قدر الله للمؤمنين، مخالفاً لظن المخلفين. بأسلوب يوحي بأنه قريب :
﴿ سيقول المخلَّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها : ذرونا نتَّبِعكم. يريدون أن يبدلوا كلام الله. قل : لن تَّتبِعونا؟ كذلكم قال الله من قبل. فسيقولون : بل تحسدوننا. بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا ﴾..
أغلب المفسرين يرون أنها إشارة إلى فتح خيبر. وقد يكون هذا. ولكن النص يظل له إيحاؤه ولو لم يكن نصاً في خيبر. فهو يوحي بأن المسلمين سيفتح عليهم فتح قريب يسير. وأن هؤلاء المخلفين سيدركون هذا، فيقولون :﴿ ذرونا نتبعكم ﴾..
ولعل الذي جعل المفسرين يخصصون خيبر، أنها كانت بعد قليل من صلح الحديبية. إذ كانت في المحرم من سنة سبع. بعد أقل من شهرين من صلح الحديبية. وأنها كانت وافرة الغنائم. وكانت حصون خيبر آخر ما بقي لليهود في الجزيرة من مراكز قوية غنية. وكان قد لجأ إليها بعض بني النضير وبني قريظة ممن أجلوا عن الجزيرة من قبل.
وتتواتر أقوال المفسرين أن الله وعد أصحاب البيعة في الحديبية أن تكون مغانم خيبر لهم لا يشركهم فيها أحد. ولم أجد في هذا نصاً. ولعلهم يأخذون هذا مما وقع فعلاً. فقد جعلها رسول الله ـ ﷺ ـ في أصحاب الحديبية. ولم يأخذ معه أحداً غيرهم.