ولما أذن هذا التأكيد أنه من عند من لا يخالف أصلاً في مراده، بينه تعالى بقوله :﴿كذلكم﴾ أي مثل هذا القول البديع الشأن العلي الرتبة ﴿قال الله﴾ أي الذي لا يكون إلا ما يريد وليس هو كالملوك الذين لا قدرة لهم على الغفران لمن شاؤوا والعقاب لمن شاؤوا ﴿من قبل﴾ هذا الوقت، وهو الذي لا يمكن الخلف في قوله، فإنه قضى أن لا يحضر " خيبر " المرادة بهذه الغنائم إلا من حضر الحديبية، وأمر بذلك فكان ما قال بعد اجتهاد بعض المخلفين في إخلافه فإنهم غيّرهم الطمع بعد سماعهم قول الله هذا، فطلبوا أن يخرجوا معه ـ ﷺ ـ فمنعوا فلم يحضرها غيرهم أحد، وذلك أنه ـ ﷺ ـ رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست، فأقام إلى أثناء محرم سنة سبع، وخرج بأهل الحديبية إلى خيبر ففتحها الله عليه، وأخذ جميع أموالها من المنقولات والعقارات، وأتى إليه ـ ﷺ ـ وهو بها بعد فتحها ابن عمه جعفر بن أبي طالب ـ رضى الله عنه ـ وبعض من معهم من مهاجرة الحبشة، فأشركهم النبي ـ ﷺ ـ مع أهل الحديبية لأنهم لم يكونوا مخلفين بل كانوا متخلفين لعذر عدم الإدراك.
ولما كانوا منافقين لا يعتقدون شيئاً من هذه الأقوال، بل يظنون أنها حيل على التوصل إلى المرادات الدنيوية، سبب عن قولهم له ذلك تنبيهاً على جلافتهم وفساد ظنونهم :﴿فسيقولون﴾ : ليس الأمر كما ذكر مما ادعى أنه قول الله ﴿بل﴾ إنما ذلكم لأنكم ﴿تحسدوننا﴾ فلا تريدون أن يصل إلينا من مال الغنائم شيء.
ولما كان التقدير : وليس الأمر كما زعموا، رتب عليه قوله :﴿بل كانوا﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿لا يفقهون﴾ أي لا يفهمون فهم الحاذق الماهر ﴿إلا قليلاً﴾ في أمر دنياهم، ومن ذلك إقرارهم بالإيمان لأجلها، وأما أمور الآخرة فلا يفهمون منها شيئاً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٧ صـ ١٩٨ ـ ٢٠٠﴾


الصفحة التالية
Icon