وفي الحديث " كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي " وهذا السبق على ما أشار إليه في أنوار التنزيل ذاتي وذلك لأن الغفران والرحمة بحسب الذات والتعذيب بالعرض وتبعيته للقضاء والعصيان المقتضى لذلك وقد صرح غير واحد بأن الخير هو المقضي بالذات والشر بالعرض إذ لا يوجد شر جزئي ألا وهو متضمن لخير كلي، وفصل ذلك في شرح الهياكل، وقال بعض الأجلة : المراد بالسبق في الحديث كثرة الرحمة وشمولها وكذا المراد بالغلبة الواقعة في بعض الروايات، وذلك نظير ما يقال : غلب على فلان الكرم ومن جعل الرحمة والغضب من صفات الأفعال لم يشكل عليه أمر السبق ولم يحتج إلى جعله ذاتياً كما لا يخفى والآية على ما قال أبو حيان لترجية أولئك المنافقين بعض الترجية إذا آمنوا حقيقة، وقيل : لحسم أطماعهم الفارغة في استغفاره عليه الصلاة والسلام لهم، وفسر الزمخشري ﴿ مَن يَشَآء ﴾ الأول بالتائب والثاني بالمصر ثم قال : يكفر سبحانه السيآت باجتناب الكبائر ويغفر الكبائر بالتوبة وهو اعتزال منه مخالف لظاهر الآية، وقال الطيبي يمكن أن يقال : إن قوله تعالى :﴿ وَللَّهِ مُلْكُ السموات ﴾ الخ موقعه موقع التذييل لقوله تعالى :﴿ وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ ﴾ ( الفتح ؛ ١٣ ) الآية على أن يقدر له ما يقابله من قوله ومن آمن بالله ورسوله فإنا أعتدنال لمؤمنين الجنان مثلاً فلا يقيد شيء مما قيده ليؤذن بالتصرف التام والمشيئة النافذة والغفران الكامل والرحمة الشاملة فتأمل ولا تغفل.
﴿ سَيَقُولُ المخلفون ﴾


الصفحة التالية
Icon