وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة ﴾
هذه بيعة الرضوان، وكانت بالحديبِية، وهذا خبر الحديبية على اختصار : وذلك " أن النبيّ ﷺ أقام مُنْصَرَفه من غَزْوة بني المُصْطَلِق في شوّال، وخرج في ذي القعدة مُعْتَمِراً، واستنفر الأعراب الذين حول المدينة فأبطأ عنه أكثرهم، وخرج النبيّ ﷺ بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعه من العرب، وجميعهم نحو ألف وأربعمائة.
وقيل : ألف وخمسمائة.
وقيل غير هذا، على ما يأتي.
وساق معه الْهَدْيَ، فأحرم رسول الله ﷺ ليعلم الناسُ أنه لم يخرج لحرب، فلما بلغ خروجه قريشاً خرج جمْعُهم صادّين لرسول الله ﷺ عن المسجد الحرام ودخول مكة، وإنه إن قاتلهم قاتلوه دون ذلك، وقدّموا خالد بن الوليد في خيل إلى "كُرَاع الغَمِيم" فورد الخبر بذلك على رسول الله ﷺ وهو "بعُسْفان" وكان المخبر له بشر بن سفيان الكَعْبِي، فسلك طريقاً يخرج به في ظهورهم، وخرج إلى الحديبية من أسفل مكة، وكان دليله فيهم رجل من أسلم، فلما بلغ ذلك خيلَ قريش التي مع خالد جرت إلى قريش تُعلمهم بذلك، فلما وصل رسول الله ﷺ إلى الحديبية بركت ناقته ﷺ فقال الناس : خلأت! خلأت! فقال النبي ﷺ :"ما خَلأَتْ وما هو لها بخُلُق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة.
لا تدعوني قريش اليوم إلى خُطّة يسألوني فيها صلة رَحِم إلا أعطيتهم إياها".
ثم نزل ﷺ هناك ؛ فقيل : يا رسول الله، ليس بهذا الوادي ماء! فأخرج عليه الصلاة والسلام سهماً من كِنَانته فأعطاه رجلاً من أصحابه، فنزل في قَلِيب من تلك القُلُب فغرزه في جوفه فجاش بالماء الرَّواء حتى كفى جميع الجيش.


الصفحة التالية
Icon