فكان لقائل أن يقول بقي الأمر موقوفاً على مشيئة أهل مكة إن أرادوا في السنة الآتية يتركوننا ندخلها وإن كرهوا لا ندخلها فقال لا تشترط إرادتهم ومشيئتهم، بل تمام الشرط بمشيئة الله، وقوله ﴿مُحَلّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تخافون﴾ إشارة إلى أنكم تتمون الحج من أوله إلى آخره، فقوله ﴿لَتَدْخُلُنَّ﴾ إشارة إلى الأول وقوله ﴿مُحَلِّقِينَ﴾ إشارة إلى الآخر، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
﴿مُحَلّقِينَ﴾ حال الداخلين والداخل لا يكون الآن محرماً، والمحرم لا يكون محلقاً، فقوله ﴿ءَامِنِينَ﴾ ينبىء عن الدوام فيه إلى الحلق فكأنه قال : تدخلونها آمنين متمكنين من أن تتموا الحج محلقين.
المسألة الثانية :
قوله تعالى :﴿لاَ تخافون﴾ أيضاً حال معناه غير خائفين، وذلك حصل بقوله تعالى :﴿ءَامِنِينَ﴾ فما الفائدة في إعادتها ؟ نقول : فيه بيان كمال الأمن، وذلك لأن بعد الحلق يخرج الإنسان عن الإحرام فلا يحرم عليه القتال، وكان عند أهل مكة يحرم قتال من أحرم ومن دخل الحرم فقال : تدخلون آمنين، وتحلقون، ويبقى أمنكم بعد خروجكم عن الإحرام، وقوله تعالى :﴿فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ﴾ أي من المصلحة وكون دخولكم في سنتكم سبباً لوطء المؤمنين والمؤمنات أو ﴿فَعَلِمَ﴾ للتعقيب، ﴿فَعَلِمَ﴾ وقع عقيب ماذا ؟ نقول إن قلنا المراد من ﴿فَعَلِمَ﴾ وقت الدخول فهو عقيب صدق، وإن قلنا المراد ﴿فَعَلِمَ﴾ المصلحة فالمعنى علم الوقوع والشهادة لا علم الغيب، والتقدير يعني حصلت المصلحة في العام القابل ﴿فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ﴾ من المصلحة المتجددة ﴿فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً﴾ إما صلح الحديبية، وإما فتح خيبر، وقد ذكرناه وقوله تعالى :﴿وَكَانَ الله بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ يدفع وهم حدوث علمه من قوله ﴿فَعَلِمَ﴾ وذلك لأن قوله ﴿وَكَانَ الله بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ يفيد سبق علمه العام لكل علم محدث.