وقال الثعالبى :
وقوله سبحانه :﴿ لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق... ﴾ الآية :« رُوِيَ في تفسيرها أن النبي ﷺ رأى في مَنَامِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى الْعُمْرَةِ أَنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، بَعْضُهُمْ مُحَلِّقُونَ، وَبَعْضُهُمْ مُقَصِّرُونَ » وقال مجاهد : رأى ذلك بالحديبية فأخبر الناسَ بهذه الرؤيا، فَوَثِقَ الجميعُ بأَنَّ ذلك يكون في وجهتهم تلك، وقد كان سَبَقَ في علم اللَّه أنَّ ذلك يكون، لكن ليس في تلك الوجهة، فَلَمَّا صَدَّهُمْ أهلُ مَكَّةَ قال المنافقون : وأين الرؤيا؟ ووقع في نفوس بعض المسلمين شيء من ذلك، فأجابهم النبي ﷺ بأَنْ قَالَ :« وَهَلْ قُلْتُ لَكُمْ : يَكُونُ ذَلِكَ فِي عَامِنَا هَذَا »، أَوْ كَمَا قَالَ، ونطق أبو بكر قبل ذلك بنحوه، ثم أنزل اللَّه عز وجل :﴿ لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق... ﴾ الآية، واللام في :﴿ لَتَدْخُلُنَّ ﴾ لامُ القَسَمِ.
وقوله :﴿ إِن شَاءَ الله ﴾ اخْتُلِفَ في هذا الاستثناء، فقال بعض العلماء : إنَّما استثنى من حيثُ إنَّ كل واحد من الناس متى رَدَّ هذا الوعد إلى نفسه، أمكن أَنْ يتمّ الوعد فيه وأَلاَّ يتمّ ؛ إذ قد يموت الإنسان أو يمرض لحينه، فلِذلك استثنى عز وجل في الجملة ؛ إذ فيهم ولا بُدَّ مَنْ يموتُ أو يمرض.
* ت * : وقد وقع ذلك حسبما ذكر في السِّيَرِ، وقال آخرون : هو أخذ من اللَّه تعالى [ على عباده ] بأدبه في استعمال الاستثناء في كل فعل.
* ت * : قال ثعلب : استثنى اللَّه تعالى فيما يعلم ؛ ليستثنيَ الخَلْقُ فيما لا يعلمون، وقيل غير هذا، ولما نزلت هذه الآية عَلِمَ المسلمون أَنَّ تلك الرؤيا ستخرج فيما يستأنفونه من الزمان، فكان كذلك، فخرج ﷺ في العام المُقْبِلِ واعتمر.