وروى مسلم والنسائي عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله ـ ﷺ ـ من قبل التنعيم متسلحين، يريدون غرة النبي ـ ﷺ ـ وأصحابه ـ رضى الله عنه ـ م، وفي رواية النسائي : قالوا : نأخذ محمداً - ـ ﷺ ـ وأصحابه، فأخذهم النبي ـ ﷺ ـ سلماً فاستحياهم فأنزل الله عز وجل ﴿وهو الذي كف أيديهم عنكم﴾ الآية.
ولما كان هذا ونحوه من عنف أهل مكة وغلظتهم وصلابتهم وشدتهم ورفق النبي ـ ﷺ ـ ولينه لهم مما أحزن أغلب الصحابة رضي الله تعالى عنهم قال تعالى يسليهم :﴿وكان الله﴾ أي المحيط بالجلال والإكرام ﴿بما يعملون﴾ أي الكفار - على قراءة أبي عمرو بالغيب، وأنتم - على قراءة الباقين بالخطاب في ذلك الوقت وفيما بعده كما كان قبله ﴿بصيراً﴾ أي محيط العلم ببواطن ذلك كما هو محيط بظواهره فهو يجريه في هذه الدار التي ربط فيها المسببات بأسبابها على أوثق الأسباب في نصركم وغلبكم لهم وقسركم، وستعلمون ما دبره من دخولكم مكة المشرفة آمنين لا تخافون في عمرة القضاء صلحاً ثم في الفتح بجحفل جرار قد نيطت أظفار المنايا بأسنة رماحه، وعادت كؤوس الحمام طوعاً لبيض صفاحه، فيؤمن أكثر أهل مكة وغيرهم ممن هو الآن جاهد عليكم، ويصيرون أحب الناس فيكم يقدمون أنفسهم في جهاد الكفار دونكم، فيفتح الله بكم البلاد، ويظهركم - وهو أعظم المحامين عنكم - على سائر العباد.