يعني كان الله يرى فيه من المصلحة، وإن كنتم لا ترون ذلك، وبينه بقوله تعالى :﴿هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام والهدى مَعْكُوفاً﴾ إلى أن قال :﴿وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مؤمنات﴾ [ الفتح : ٢٥ ] يعني كان الكف محافظة على ما في مكة من المسلمين ليخرجوا منها، ويدخلوها على وجه لا يكون فيه إيذاء من فيها من المؤمنين والمؤمنات، واختلف المفسرون في ذلك الكف منهم من قال المراد ما كان عام الفتح، ومنهم من قال ما كان عام الحديبية، فإن المسلمين هزموا جيش الكفار حتى أدخلوهم بيوتهم، وقيل إن الحرب كان بالحجارة.
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وقوله تعالى :﴿هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام والهدى مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ﴾.
إشارة إلى أن الكف لم يكن لأمر فيهم لأنهم كفروا وصدوا وأحصروا، وكل ذلك يقتضي قتالهم، فلا يقع لأحد أن الفريقين اتفقوا، ولم يبق بينهما خلاف واصطلحوا، ولم يبق بينهما نزاع، بل الاختلاف باق والنزاع مستمر، لأنهم هم الذين كفروا وصدوكم ومنعوا فازدادوا كفراً وعداوة، وإنما ذلك للرجال المؤمنين والنساء المؤمنات، وقوله ﴿والهدى﴾ منصوب على العطف على كم في ﴿صَدُّوكُمْ﴾ ويجوز الجر عطفاً على المسجد، أي وعن الهدي.
و﴿مَعْكُوفاً﴾ حال و ﴿أَن يَبْلُغَ﴾ تقديره على أن يبلغ، ويحتمل أن يقال ﴿أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ رفع، تقديره معكوفاً بلوغه محله، كما يقال : رأيت زيداً شديداً بأسه، ومعكوفاً، أي ممنوعاً، ولا يحتاج إلى تقدير عن على هذا الوجه.
وقوله تعالى :﴿وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مؤمنات لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾.


الصفحة التالية
Icon