ولما أنهى سبحانه مثلهم، ذكر الثمرة في جعلهم كذلك فقال :﴿ليغيظ﴾ معلقاً له بما يؤخذ من معنى الكلام وهو جعلهم كذلك لأجل أن يغيظ ﴿بهم﴾ أي غيظاً شديداً بالغ القوة والإحكام ﴿الكفار﴾ وذلك أنهم لما كانوا أول الأمر قليلاً، كان الكفار طامعين في أن لا يتم لهم أمر، فكلما ازدادوا كثرة مع تمادي الزمان زاد غيظ الكفار منهم، فكيف إذا رأوا مع الزيادة والقوة منهم حسناً ونضارة ورونقاً وبهجة، فهو في الغيظ مما لو كانوا في أول الأمر كثيراً لأنه كان يكون دفعه ويقصر زمنه، فمن أبغض صحابياً خيف عليه الكفر لأنهم أول مراد بالآية، وغيرهم بالقصد الثاني وبالتبع، ومن أبغضهم كلهم كان كافراً، وإذا حملناه على غيرهم كان دليلاً على أن كل من خالف الإجماع كفر - قاله القشيري.
ولما ثم مثلهم وعلة جعلهم كذلك، بشرهم فقال في موضع وعدهم لتعليق الوعد بالوصف على عادة القرآن ترغيباً في التمسك به وترهيباً من مجانبته :﴿وعد الله﴾ أي الملك الأعظلم ﴿الذين آمنوا﴾ ولما كان الكلام في الذين معه ـ ﷺ ـ، وكانت المعية ظاهرة في الاتحاد في الدين لم تكن شاملة للمنافقين، فلم يكن الاهتمام بالتقييد بمنهم هنا كالاهتمام به في سورة النور، فأخره وقدم العمل لأن العناية به هنا أكثر، لأنه من سيماهم المذكورة فقال :﴿وعملوا﴾ أي تصديقاً لدعواهم الكون معه في الدين ﴿الصالحات﴾ ولما كان قوله " معه " يعم كما مضى من بعد الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكان الخلل فيمن بعدهم كثيراً، قيد بقوله :﴿منهم﴾ أي من الذين معه ـ ﷺ ـ سواء كانوا من أصل الزرع أو فراخه التي أخرجها وهم التابعون لهم بإحسان.