وفيه إشارة إلى معنى لطيف وهو أن الله تعالى قال الراكعون والساجدون ﴿لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ﴾ [ فاطر : ٣٠ ] وقال الراكع يبتغي الفضل ولم يذكر الأجر لأن الله تعالى إذا قال لكم أجر كان ذلك منه تفضلاً، وإشارة إلى أن عملكم جاء على ما طلب الله منكم، لأن الأجرة لا تستحق إلا على العمل الموافق للطلب من المالك، والمؤمن إذا قال أنا أبتغي فضلك يكون منه اعترافاً بالتقصير فقال :﴿يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ الله﴾ ولم يقل أجراً.
وقوله تعالى :﴿سيماهم فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود﴾ فيه وجهان أحدهما : أن ذلك يوم القيامة كما قال تعالى :
﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ﴾ [ آل عمران : ١٠٦ ] وقال تعالى :﴿نُورُهُمْ يسعى﴾ [ التحريم : ٨ ] وعلى هذا فنقول نورهم في وجوههم بسبب توجههم نحو الحق كما قال إبراهيم عليه السلام :﴿إِنّى وَجَّهْتُ وجهي للذي فطر السموات والارض﴾ [ الأنعام : ٧٩ ] ومن يحاذي الشمس يقع شعاعها على وجهه، فيتبين على وجهه النور منبسطاً، مع أن الشمس لها نور عارضي يقبل الزوال، والله نور السموات والأرض فمن يتوجه إلى وجهه يظهر في وجهه نور يبهر الأنوار وثانيهما : أن ذلك في الدنيا وفيه وجهان أحدهما : أن المراد ما يظهر في الجباه بسبب كثرة السجود والثاني : ما يظهره الله تعالى في وجوه الساجدين ليلاً من الحسن نهاراً، وهذا محقق لمن يعقل فإن رجلين يسهران بالليل أحدهما قد اشتغل بالشراب واللعب والآخر قد اشتغل بالصلاة والقراءة واستفادة العلم فكل أحد في اليوم الثاني يفرق بين الساهر في الشرب واللعب، وبين الساهر في الذكر والشكر.