واختلف الناس في الفتح القريب، فقال كثير من الصحابة : هو بيعة الرضوان وروي عن مجاهد وابن إسحاق. أنه الصلح بالحديبية. وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للنبي ﷺ : أو فتح هو يا رسول الله؟ قال :" نعم " وقال ابن زيد : الفتح القريب : خيبر حسبما تقدم من ذكر انصراف رسول الله ﷺ إلى فتحها. وقال قوم : الفتح القريب : فتح مكة، وهذا ضعيف، لأن فتح مكة لم يكن من دون دخول رسول الله ﷺ وأصحابه مكة، بل كان بعد ذلك بعام، لأن الفتح كان سنة ثمان من الهجرة ويحسن أن يكون الفتح هنا اسم جنس يعم كل ما وقع مما للنبي ﷺ فيه ظهور وفتح عليه. وقد حكى مكي في ترتيب أعوام هذه الأخبار عن قطرب قولاً خطأ جعل فيه الفتح سنة عشر، وجعل حج أبي بكر قبل الفتح، وذلك كله تخليط وخوض فيما لم يتقنه معرفة.
وقوله عز وجل :﴿ هو الذي أرسل رسوله ﴾ الآية تعظيم لأمر رسول الله ﷺ وإعلام بأنه يظهره على جميع الأديان. ورأى بعض الناس لفظة :﴿ ليظهره ﴾ تقتضي محو غيره به، فلذلك قالوا : إن هذا الخبر يظهر للوجود عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، فإنه لا يبقى في وقته غير دين الإسلام وهو قول الطبري والثعلبي. ورأى قوم أن الإظهار هو الإعلاء وإن بقي من الدين الآخر أجزاء، وهذا موجود الآن في دين الإسلام، فإنه قد عم أكثر الأرض وظهر على كل دين.
وقوله تعالى :﴿ وكفى بالله شهيداً ﴾ معناه : شاهداً، وذلك يحتمل معنيين : أحدهما شاهداً عندكم بهذا الخبر ومعلماً به. والثاني : شاهداً على هؤلاء الكفار المنكرين أمر محمد الرادين في صدره ومعاقباً لهم بحكم الشهادة، والآية على هذا وعيد للكفار الذين شاحوا في أن يكتب محمد رسول الله، فرد عليهم بهذه الآية كلها.


الصفحة التالية