وقال أبو السعود فى الآيات السابقة :
﴿ لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا ﴾
رَأَى رسولُ الله ﷺ قبلَ خروجِه إلى الحُديبيةِ كأنَّه وأصحابَهُ قد دخلُوا مكةَ آمنينَ وقد حلقُوا رؤوسَهُم وقصَّروا فقصَّ الرؤيا على أصحابهِ ففرحوا واستبشرُوا وحسبُوا أنَّهم داخلُوها في عامِهم فلمَّا تأخرَ ذلكَ قال عبدُ اللَّهِ بنُ أُبيَ وعبدُ اللَّهِ بن نُفيلٍ ورفاعةُ بنُ الحارثِ والله ما حلقنَا ولا قصَّرنَا ولا رأينا المسجد الحرامَ فنزلتْ أي صدَقه ﷺ في رُؤياهُ كَما في قولِهم صَدَقنِي سِنُّ بَكْرِهِ وتحقيقُه أراهُ الرؤيا الصادقةَ. وقوله تعالى :﴿ بالحق ﴾ إما صفةٌ لمصدرٍ مؤكدٍ محذوفٍ أي صدقاً ملتبساً بالحقِّ أي بالغرضِ الصحيحِ والحكمةِ البالغةِ التي هيَ التمييزُ بين الراسخِ في الإيمانِ والمتزلزلِ فيه، أو حالٌ من الرُّؤيا أي ملتبسةً بالحقِّ ليستْ من قبيلِ أضغاثِ الأحلامِ وقد جُوِّزَ أن يكونَ قسماً بالحقِّ الذي هُو من أسماءِ الله تعالى أو بنقيضِ الباطلِ. وقولُه تعالَى :﴿ لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام ﴾ جوابُه وهو عَلى الأولينِ جوابُ قسمٍ محذوفٍ أيْ والله لتدخلنَّ إلخ. وقولُه تعالَى :﴿ إِن شَاء الله ﴾ تعليقٌ للعِدَة بالمشيئةِ لتعليمِ العبادِ للإشعارِ بأنَّ بعضَهُم لا يدخلونَهُ لموتٍ أو غَيبةٍ أو غيرِ ذلكَ أو هيَ حكايةٌ لما قالَهُ ملكُ الرُّؤيا لرسولِ الله ﷺ أو لما قالَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأصحابِه ﴿ ءامِنِينَ ﴾ حالٌ من فاعلِ لتدخُلنَّ والشرطُ معترضٌ وكذا قولُه تعالَى :﴿ مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ ﴾ أي مُحلِّقاً بعضُكم ومُقصِّراً آخرونَ، وقيلَ : مُحلِّقينَ حالٌ منْ ضميرِ آمنينَ فتكون متداخلةً ﴿ لاَ تخافون ﴾ حالٌ مؤكدةٌ من فاعلِ لتدخُلنَّ إو آمنينَ أو محلِّقينَ أو مقصِّرينَ، أو استئنافٌ أيْ لا تخافونَ بعدَ ذلكَ ﴿ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ ﴾ عطفٌ على صدقَ، والمرادُ بعلمِه تعالَى العلمُ الفعليُّ المتلعقُ