وقولُه تعالى ﴿ وَمَثَلُهُمْ فِى الإنجيل ﴾ عطفٌ على مثلُهم الأولِ كأنَّه قيلَ : ذلكَ مثلُهم في التوراةِ والإنجيلِ، وتكريرُ مثلُهم لتأكيدِ غرابتهِ وزيادةِ تقريرِها. وقولُه تعالى ﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾ الخ تمثيلٌ مستأنفٌ أي هُم كزرعٍ أخرجَ فراخَهُ وقيل : هو تفسيرٌ لذلك على أنه إشارةٌ مبهمةٌ وقيل : خبرٌ لقولِه تعالى ومثلُهم في الإنجيلِ على أنَّ الكلامَ قد تمَّ عند قولِه تعالى مثلُهم في التوراةِ وقرىء شَطَأه بفتحات. وقرىء شَطَاه بفتح الطاء وتخفيف الهمزة وشَطَاءَهُ بالمدِّ وشَطَه بحذفِ الهمزةِ ونقل حركتِها إلى ما قبلَها وشَطْوَه بقلبِها واواً ﴿ فَازَرَهُ ﴾ فقوَّاهُ مِن المؤازرةِ بمعنى المعاونةِ أو من الإيزارِ وهي الإعانةُ وقُرِىءَ فأزَرَه بالتخفيف وأَزَّرهُ بالتشديدِ أي شدَّ أزْرَهُ. وقولُه تعالى ﴿ فاستغلظ ﴾ فصارَ غليظاً بعد ما كانَ دقيقاً ﴿ فاستوى على سُوقِهِ ﴾ فاستقامَ على قَصَبهِ جمع ساقٍ وقُرِىءَ سُؤقهِ بالهمزةِ.
﴿ يُعْجِبُ الزراع ﴾ بقوتِه وكثافتِه وغلظِه وحسنِ منظرِه وهو مثلٌ ضربَهُ الله عزَّ وجلَّ لأصحابهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قلُّوا في بدءِ الإسلامِ ثم كثروا واستحكمُوا فترقَّى أمرُهم يوماً فيوماً بحيثُ أعجبَ الناسَ وَقيلَ : مكتوبٌ في الإنجيلِ سيخرُجُ قومٌ ينبُتون نباتَ الزرعِ يأمرونَ بالمعروفِ وينهونَ عن المنكرِ. وقولُه تعالى :﴿ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار ﴾ علةٌ لما يعربُ عنه الكلامُ من تشبيههم بالزرعِ في زكائِه واستحكامِه أو لما بعده من قولِه تعالى :﴿ وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾ فإنَّ الكفارَ إذا سمعُوا بما أُعدَّ للمؤمنينَ في الآخرةِ مع ما لهُم في الدُّنيا من العزةِ غاظَهُم ذلكَ أشدَّ غيظٍ ومنُهم للبيانِ.


الصفحة التالية
Icon