فصل فى معانى السورة كاملة


قال الشيخ المراغى رحمه الله :
سورة الحجرات
لا تقدموا : أي لا تتقدموا، من قولهم مقدمة الجيش لمن تقدم منهم، قال أبو عبيدة : العرب تقول : لا تقدّم بين يدى الإمام وبين يدى الأب : أي لا تعجل بالأمر دونه، وقيل إن المراد لا تقولوا بخلاف الكتاب والسنة، ورجّح هذا، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي : أي إذا كلمتموه ونطق ونطقتم فلا تبلغوا بأصواتكم وراء
الحد الذي يبلغه بصوته، يغضون أصواتهم : أي يخفضونها ويلينونها، امتحن اللّه قلوبهم :
أي طهّرها ونقاها كما يمتحن الصائغ الذهب بالإذابة والتنقية من كل غشّ.
من وراء الحجرات : أي من خارجها سواء كان من خلفها أو من قدامها، إذ أنها من المواراة وهى الاستتار، فما استتر عنك فهو وراء، خلفا كان أو قداما، فإذا رأيته
لا يكون وراءك. ويرى بعض أهل اللغة أن وراء من الأضداد فتطلق تارة على ما أمامك، وأخرى على ما خلفك، والحجرات (بضم الجيم وفتحها وتسكينها) واحدها حجرة : وهى القطعة من الأرض المحجورة أي الممنوعة عن الدخول فيها بحائط ونحوه، والمراد بها حجرات نسائه عليه الصلاة والسلام، وكانت تسعة لكل منهن حجرة من جريد النخل على أبوابها المسوح من شعر أسود، وكانت غير مرتفعة يتناول سقفها باليد، وقد أدخلت فى عهد الوليد بن عبد الملك بأمره فى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فبكى الناس لذلك.
وقال سعيد بن المسيّب يومئذ : لوددت أنهم تركوها على حالها لينشأ ناس من أهل المدينة ويقدم القادم من أهل الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى حياته، فيكون ذلك مما يزهد الناس فى التفاخر والتكاثر فيها.


الصفحة التالية
Icon