واعلم أن فعل أقسط ضد فعل قسط راجع الآية ٢٣ من سورة الجن في ج ١ ثم بين المادة الموجبة للعدل بقوله "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" في الدّين والولاية لا فضل لأحد على أحد إلّا بالتقوى فإذا تنازع هؤلاء الاخوة "فَأَصْلِحُوا" أيها الاخوان المؤمنون "بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ" المختلفين وهذه الجملة تقرير للأمر بالصلح بين المتقاتلين ثم أكد تحذيرهم من الميل لطرف دون آخر بقوله "وَاتَّقُوا اللَّهَ" أن ترجحوا أناسا على آخرين ولو كانوا أولي قربى منكم وأحسنوا نيتكم بالإصلاح بين النّاس كلهم وعاملوهم سواسية "لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (١٠) من قبل اللّه فتنالوا رحمته الواسعة التي حملتكم على التدخل بالإصلاح بين إخوانكم رحمة بكم وبهم من أن يتجاوز أحدهما على الآخر أو يأخذ ماله بغير وجه شرعي لأن الجزاء من جنس العمل.
أخرج به جرير عن السّدى قال.
كان رجل من الأنصار يقال له عمران تحته امرأة يقال لها أم زيد، فأرادت أن تزور أهلها، فحبسها في علية، فبعثت إلى أهلها فجاء قومها فأنزلوها لينطلقوا بها، وكان الرّجل قد خرج فاستعان بأهله، فجاء بنو عمهم ليحولوا بين المرأة وأهلها فتراجعوا
واجتلدوا بالنعال، فنزلت فيهم هذه الآية.
وقال قتادة نزلت في رجلين من الأنصار كان بينهما مماراة بحق فقال أحدهما للآخر لآخذن حقي منك عنوة لكثرة عشيرته، فتدافعوا بينهم وتناولوا بعضهم فنزلت.
وكلّ هذا جائز لأن يكون سببا للنزول، لأن الآية عامة في جميع المسلمين وحكمها باق إلى يوم القيامة، وكذلك الآية التي بعدها فهي عامة في كلّ من يقع منه شيء مما نهى عنه فيها وفي كل الآيات لأن العبرة لعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.
أما ما رواه البخاري ومسلم عن أنس قال : قيل للنبي صلّى اللّه عليه وسلم لو أثبت عبد اللّه بن أبي الحديث إلى أن قال فبلغنا أنها نزلت فيهم.