بالأمور المشتبهات، التي هي سبب هلاك الأغلب لكونها لا يعلمها كثير من الناس، والتقييد بالكثير معلم بأنهم يصيبون وجه الرشاد في كثير من الأمور.
ولما كان التقدير حتماً بما هدى إليه السياق : ولو خالفتموه في الأمور التي لا يطيعكم فيها لعنتم، استدرك عنه قوله :﴿ولكن الله﴾ أي الملك الأعظم الذي يفعل ما يريد ﴿حبب إليكم الإيمان﴾ فلزمتم طاعته وعشقتم متابعته.
ولما كان الإنسان قد يحب شيئاً وهو يعلم فيه عيباً، فيكون جديراً بأن يتزلزل فيه، نفى ذلك بقوله :﴿وزينه في قلوبكم﴾ أي فلا شيء عندكم أحسن منه ولا يعادله ولا يقاربه بوجه ﴿وكره إليكم الكفر﴾ وهو تغطية ما أدت إليه الفطرة الأولى والعقول المجردة عن الهوى من الحق بالجحود ﴿والفسوق﴾ وهو المروق من ربقة الدين، ولو من غير تغطية بل بغير تأمل ﴿والعصيان﴾ وهو الامتناع من الانقياد عامة فلم تخالفوه، ورأيتم خلافه هلاكاً، فصرتم والمنة لله أطوع شيء للرسول ـ ﷺ ـ، فعلم من هذا أن الله تعالى هو الفاعل وحده لجميع الأفعال من الطاعات والمعاصي والعادات والعبادات، لأنه خالق لكل، ومدحوا لفعل الله بهم لأنهم الفاعلون في الظاهرة فهو واقع موقع : أطعتم الرسول ـ ﷺ ـ ولم تخالفوه، وإنما وضع فعل الله وهولا يمدحون عليه موضع فعلهم الذي يمدحون عليه للحث على الشكر والإنسلاخ من العجب.
ولما أرشد السياق إلى متابعتهم على هذا الوجه، أنتج قوله مادحاً لهم ثانياً الكلام عن خطابهم إلى خطابه ـ ﷺ ـ ليدل على عظم هذه الأوصاف وبينه بأداة البعد على علو مقام المتصف :﴿أولئك﴾ أي الذين أعلى الله القادر على كل شيء مقاديرهم ﴿هم﴾ أي خاصة ﴿الراشدون﴾ أي الكاملون في الرشد وهو الهدى على أحسن سمت وتقدير، وفي تفسير الأصبهاني : الرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه - انتهى.