خطاباً مع النبي ﷺ وفيه معنى لطيف : وهو أن الله تعالى في أول الأمر قال :﴿واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله﴾ أي هو مرشد لكم فخطاب المؤمنين للتنبيه على شفقته بالمؤمنين، فقال في الأول كفى النبي مرشداً لكم ما تسترشدونه فأشفق عليهم وأرشدهم، وعلى هذا قوله ﴿الرشدون﴾ أي الموافقون للرشد يأخذون ما يأتيهم وينتهون عما ينهاهم.
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨)
فيه مسائل :
المسألة الأولى :
نصب فضلاً لأجل أمور، إما لكونه مفعولاً له، وفيه وجهان أحدهما : أن العامل فيه هو الفعل الذي في قوله ﴿الرشدون﴾ فإن قيل : كيف يجوز أن يكون فضل الله الذي هو فعل الله مفعولاً له بالنسبة إلى الرشد الذي هو فعل العبد ؟ نقول لما كان الرشد توفيقاً من الله كان كأنه فعل الله فكأنه تعالى أرشدهم فضلاً، أي يكون متفضلاً عليهم منعماً في حقهم والوجه الثاني : هو أن العامل فيه هو قوله ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان...
وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر﴾
[ الحجرات : ٧ ] فضلاً وقوله ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الرشدون﴾ [ الحجرات : ٧ ] جملة اعترضت بين الكلامين أو يكون العامل فعلاً مقدراً، فكأنه قال تعالى جرى ذلك فضلاً من الله، وإما لكونه مصدراً، وفيه وجهان أحدهما : أن يكون مصدراً من غير اللفظ ولأن الرشد فضل فكأنه قال أولئك هم الراشدون رشداً وثانيهما : هو أن يكون مصدراً لفعل مضمر، كأنه قال حبب إليكم الإيمان وكره إليكم الكفر فأفضل فضلاً وأنعم نعمة، والقول بكونه منصوباً على أنه مفعول مطلق وهو المصدر، أو مفعول له قول الزمخشري، وإما أن يكون فضلاً مفعولاً به، والفعل مضمراً دل عليه قوله تعالى :﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الرشدون﴾ أي يبتغون فضلاً من الله ونعمة.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon