قوله تعالى :﴿لاَ تُقَدِّمُواْ﴾ يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون من التقديم الذي هو متعد، وعلى هذا ففيه وجهان : أحدهما : ترك مفعوله برأسه كما في قوله تعالى :﴿يحيي ويميت﴾ وقول القائل فلان يعطي ويمنع ولا يريد بهما إعطاء شيء معين ولا منع شيء معين وإنما يريد بهما أن له منعاً وإعطاء كذلك ههنا، كأنه تعالى يقول لا ينبغي أن يصدر منكم تقديم أصلاً والثاني : أن يكون المفعول الفعل أو الأمر كأنه يقول ﴿لاَ تُقَدِّمُواْ﴾ يعني فعلاً ﴿بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ﴾ أو لا تقدموا أمراً الثاني : أن يكون المراد ﴿لاَ تُقَدِّمُواْ﴾ بمعنى لا تتقدموا، وعلى هذا فهو مجاز ليس المراد هو نفس التقديم بل المراد لا تجعلوا لأنفسكم تقدماً عند النبي ﷺ يقال فلان تقدم من بين الناس إذا ارتفع أمره وعلا شأنه، والسبب فيه أن من ارتفع يكون متقدماً في الدخول في الأمور العظام، وفي الذكر عند ذكر الكرام، وعلى هذا نقول سواء جعلناه متعدياً أو لازماً لا يتعدى إلى ما يتعدى إليه التقديم في قولنا قدمت زيداً، فالمعنى واحد لأن قوله ﴿لاَ تُقَدِّمُواْ﴾ إذا جعلناه متعدياً أو لازماً لا يتعدى إلى ما يتعدى إليه التقديم في قولنا قدمت زيداً، فتقديره لا تقدموا أنفسكم في حضرة النبي ﷺ أي لا تجعلوا لأنفسكم تقدماً ورأياً عنده، ولا نقول بأن المراد لا تقدموا أمراً وفعلاً، وحينئذ تتحد القراءتان في المعنى، وهما قراءة من قرأ بفتح التاء والدال وقراءة من قرأ بضم التاء وكسر الدال، وقوله تعالى :﴿بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ﴾ أي بحضرتهما لأن ما بحضرة الإنسان فهو بين يديه وهو ناظر إليه وهو نصب عينيه وفي قوله ﴿بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ﴾ فوائد : أحدها : أن قول القائل فلان بين يدي فلان، إشارة إلى كون كل واحد منهما حاضراً عند الآخر مع أن لأحدهما علو الشأن وللآخر درجة العبيد والغلمان، لأن من يجلس بجنب