وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله ﴾
فلا تكذبوا ؛ فإن الله يُعلمه أنباءكم فتفتضحون.
﴿ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأمر لَعَنِتُّمْ ﴾ أي لو تسارع إلى ما أردتم قبل وضوح الأمر لنا لكم مشقة وإثم ؛ فإنه لو قتل القومَ الذين سعى بهم الوليد بن عُقبة إليه لكان خطأ، ولَعَنَتَ مَن أراد إيقاع الهلاك بأولئك القوم لعداوة كانت بينه وبينهم.
ومعنى طاعة الرسول لهم : الاْئتمارُ بما يأمر به فيما يبلّغونه عن الناس والسماع منهم.
والعَنت الإثم ؛ يقال : عنِت الرجل.
والعنت أيضاً الفجور والزنى ؛ كما في سورة "النساء".
والعنت أيضاً الوقوع في أمر شاق ؛ وقد مضى في آخر "براءة" القول في "عَنِتُّمْ" بأكثر من هذا.
﴿ ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأيمان ﴾ هذا خطاب للمؤمنين المخلصين الذين لا يكذبون النبيّ ﷺ ولا يخبرون بالباطل ؛ أي جعل الإيمان أحبّ الأديان إليكم.
﴿ وَزَيَّنَهُ ﴾ بتوفيقه.
﴿ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ أي حسّنه إليكم حتى اخترتموه.
وفي هذا ردّ على القدرية والإمامية وغيرهم، حسب ما تقدّم في غير موضع.
فهو سبحانه المنفرد بخلق ذوات الخلق وخلق أفعالهم وصفاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم، لا شريك له.
﴿ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان ﴾ قال ابن عباس : يريد به الكذب خاصة.
وقاله ابن زيد.
وقيل : كل ما خرج عن الطاعة ؛ مشتقٌ من فَسَقتِ الرُّطَبَةُ خرجت من قشرها.
والفأرة من جُحرها.
وقد مضى في "البقرة" القول فيه مستوفى.
والعصيان جمع المعاصي.
ثم انتقل من الخطاب إلى الخبر فقال :﴿ أولئك ﴾ يعني هم الذين وفقهم الله فحبّب إليهم الإيمان وكرّه إليهم الكفر أي قبحه عندهم ﴿ هُمُ الراشدون ﴾ كقوله تعالى :﴿ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فأولئك هُمُ المضعفون ﴾ [ الروم : ٣٩ ].
قال النابعة :
يا دارَ مَيَّةَ بالعَلْياء فالسَّندِ...


الصفحة التالية
Icon