﴿ امتحن الله قلوبهم للتقوى ﴾ : أي جربت ودربت للتقوى، فهي مضطلعة بها، أو وضع الامتحان موضع المعرفة، لأن تحقيق الشيء باختباره، أي عرف قلوبهم كائنة للتقوى في موضع الحال، أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن لأجل التقوى، أي لتثبت وتظهر تقواها.
وقيل : أخلصها للتقوى من قولهم : امتحن الذهب وفتنة إذا أذابه، فخلص إبريزه من خبثه.
وجاءت في هذه الآية إن مؤكدة لمضمون الجملة، وجعل خبرها جملة من اسم الإشارة الدال على التفخيم والمعرفة بعده، جائياً بعد ذكر جزائهم على غض أصواتهم.
وكل هذا دليل على أن الارتضاء بما فعلوا من توقير النبي ( ﷺ )، بغض أصواتهم، وفيها تعريض بعظيم ما ارتكب رافعو أصواتهم واستجابهم ضد ما استوجبه هؤلاء.
﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ﴾ : نزلت في وفد بني تميم الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم وغيرهم.
وفدوا ودخلوا المسجد وقت الظهيرة، والرسول ( ﷺ ) راقد، فجعلوا ينادونه بجملتهم : يا محمد، أخرج إلينا.
فاستيقظ فخرج، فقال له الأقرع بن حابس : يا محمد، إن مدحي زين وذمي شين، فقال له رسول الله ( ﷺ ) :"ويلك ذلك الله تعالى".
فاجتمع الناس في المسجد فقالوا : نحن بني تميم بخطيبنا وشاعرنا، نشاعرك ونفاخرك ؛ فقال النبي ( ﷺ ) :"ما بالشعر بعثت، ولا بالفخار أمرت، ولكن هاتوا".
فقال الزبرقان لشاب منهم : فخروا ذكر فضل قومك، فقال : الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه، وآتانا أموالاً نفعل فيها ما نشاء، فنحن من خير أهل الأرض، من أكثرهم عدداً ومالاً وسلاحاً، فمن أنكر علينا فليأت بقول هو أحسن من قولنا، وفعل هو أحسن من فعلنا.


الصفحة التالية
Icon