تكون بنجد أو بأرض التهائم
وإن لنا المرباع في كل معشر...
وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
فقال النبي ( ﷺ ) لحسان :"قم فأجبه"، فقام وقال :
بني درام لا تفخروا إن فخركم...
يصير وبالاً عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم...
لنا خول من بين ظئر وخادم
فقال النبي ( ﷺ ) :"لقد كنت غنياً يا أخا دارم أن يذكر منك ما ظننت أن الناس قد لتنوه".
فكان قوله عليه الصلاة والسلام أشد عليهم من جميع ما قاله حسان، ثم رجع حسان إلى شعره فقال :
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم...
وأموالكم أن تقسموا في المقاسم
فلا تجعلوا الله نداً وأسلموا...
ولا تفخروا عند النبي بدارم
وإلا ورب البيت قد مالت القنا...
على هامكم بالمرهفات الصوارم
فقال الأقرع بن حابس : والله ما أدري ما هذا الأمر، تكلم خطيبنا، فكان خطيبهم أحسن قولاً، وتكلم شاعرنا، فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولاً، ثم دنا من رسول الله ( ﷺ ) وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي ( ﷺ ) :"ما يضرك ما كان قبل هذا"، ثم أعطاهم وكساهم.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، وذلك أن المناداة من وراء الحجرات فيها رفع الصوت وإساءة الأدب، والله قد أمر بتوقير رسوله وتعظيمه.
والوراء : الجهة التي يواريها عنك الشخص من خلف أو قدام، ومن لابتداء الغاية، وإن المناداة نشأت من ذلك المكان.
وقال الزمخشري : فإن قلت : أفرق بين الكلامين، بين ما تثبت فيه وما تسقط عنه.
قلت : الفرق بينهما : أن المنادى والمنادي في أحدهما يجوز أن يجمعهما الوراء، وفي الثاني لا يجوز، لأن الوراء تصير بدخول من مبتدأ الغاية، ولا يجتمع على الجهة الواحدة أن يكون مبتدأ ومنتهى لفعل واحد.


الصفحة التالية
Icon