﴿يُبَيّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ﴾ [ النساء : ١٧٦ ] وأمثاله، ويحتمل ههنا وجهاً آخر وهو أن يقال معناه : واتقوا الله واجتنبوا أن تحبط أعمالكم، والدليل على هذا أن الإضمار لما لم يكن منه بد فما دل عليه الكلام الذي هو فيه أولى أن يضمر والأمر بالتقوى قد سبق في قوله تعالى :﴿واتقوا﴾ [ الحجرات : ١ ] وأما المعنى فنقول قوله ﴿أَن تَحْبَطَ﴾ إشارة إلى أنكم إن رفعتم أصوتكم وتقدمتكم تتمكن منكم هذه الرذائل وتؤدي إلى الاستحقار، وإنه يفضي إلى الانفراد والارتداد المحبط وقوله تعالى :﴿وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ إشارة إلى أن الردة تتمكن من النفس بحيث لا يشعر الإنسان، فإن من ارتكب ذنباً لم يرتكبه في عمره تراه نادماً غاية الندامة خائفاً غاية الخوف فإذا ارتكبه مراراً يقل الخوف والندامة ويصير عادة من حيث لا يعلم أنه لا يتمكن، وهذا التمكن كان في المرة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو غيرها، وهذا كما أن من بلغه خبر فإنه لا يقطع بقول المخبر في المرة الأولى، فإذا تكرر عليه ذلك وبلغ حد التواتر يحصل له اليقين ويتمكن الاعتقاد، ولا يدري متى كان ذلك، وعند أي خبر حصل هذا اليقين، فقوله ﴿وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ تأكيد للمنع أي لا تقولوا بأن المرة الواحدة تعفي ولا توجب رده، لأن الأمر غير معلوم فاحسموا الباب، وفيه بيان آخر وهو أن المكلف إذا لم يحترم النبي ﷺ ويجعل نفسه مثله فيما يأتي به بناء على أمره يكون كما يأتي به بناء على أمر نفسه، لكن ما تأمر به النفس لا يوجب الثواب وهو محبط حابط، كذلك ما يأتي به بغير أمر النبي ﷺ حينئذ حابط محبط، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon