الثالث ما ذكره الماوردِيّ عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبيّ ﷺ أنفذ أربعة وعشرين رجلاً من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم ؛ إلا ثلاثة تأخروا عنهم فسلموا وانكفأوا إلى المدينة ؛ فلقوا رجلين من بني سُليم فسألوهما عن نسبهما فقالا : من بني عامر، لأنهم أعز من بني سليم فقتلوهما ؛ فجاء نفر من بني سليم إلى رسول الله ﷺ فقالوا : إن بيننا وبينك عهداً، وقد قتل منا رجلان ؛ فوداهما النبيّ ﷺ بمائة بعير، ونزلت عليه هذه الآية في قتلهم الرجلين.
وقال قتادة : إن ناساً كانوا يقولون لو أنزل فيّ كذا، لو أنزل فيّ كذا؟ فنزلت هذه الآية.
ابن عباس : نُهُوا أن يتكلموا بين يدي كلامه.
مجاهد : لا تفتاتوا على الله ورسوله حتى يقضي الله على لسان رسوله ؛ ذكره البخاري أيضاً.
الحسن : نزلت في قوم ذَبحُوا قبل أن يصلي رسول الله ﷺ ؛ فأمرهم أن يعيدوا الذبح.
ابن جريج : لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها الذي أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قلت : هذه الأقوال الخمسة المتأخرة ذكرها القاضي أبو بكر بن العربي، وسردها قبله الماوردي.
قال القاضي : وهي كلها صحيحة تدخل تحت العموم ؛ فالله أعلم ما كان السبب المثير للآية منها، ولعلها نزلت دون سبب ؛ والله أعلم.
قال القاضي : إذا قلنا إنها نزلت في تقديم الطاعات على أوقاتها فهو صحيح ؛ لأن كل عبادة مؤقتة بميقات لا يجوز تقديمها عليه كالصلاة والصوم والحج ؛ وذلك بيّن.
إلا أن العلماء اختلفوا في الزكاة، لما كانت عبادة مالية وكانت مطلوبة لمعنًى مفهوم، وهو سدّ خَلّة الفقير، ولأن النبيّ ﷺ استعجل من العباس صدقة عامين، ولما جاء من جمع صدقة الفطر قبل يوم الفطر حتى تعطى لمستحقيها يوم الوجوب وهو يوم الفطر ؛ فاقتضى ذلك كله جواز تقديمها العام والاثنين.