الله تعالى : الهمزة في الإثم عن الواو وكأنه يثم الأعمال أي يكسرها بإحباطه.
ولما نهى عن اتباع الظن، أتبعه ما يتفرع عنه فقال :﴿ولا تجسسوا﴾ أي تمعنوا في البحث عن العورات ولا يكون ذلك إلا في المستورين.
ولما كانت الغيبة أعم من التجسس، قال :﴿ولا يغتب﴾ أي يتعمد أن يذكر ﴿بعضكم بعضاً﴾ في غيبته بما يكره، قال القشيري : وليس تحصل الغيبة من الخلق إلا بالغيبة عن الحق، وقال أبو حيان : قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : الغيبة إدام كلاب الناس.
ولما كان تمزيق عرض الناس كتمزيق أديمهم ولا يكون ذلك ساتر عظمة الذي به قوامه كما أن عرضه ساتر عليه، وكونه لا يرد عن نفسه بسبب غيبته كموته وأعمال الفم والجوف في ذلك كله، وكان هذا لو تأمله العاقل كان منه على غاية النفرة، ولكنه لخفائه لا يخطر بباله، جلاه له في قوله تقريراً وتعبيراً بالحب عما هو في غاية الكراهة لما للمغتاب من الشهوة في الغيبة ليكون التصوير بذلك رادّاً له عنها ومكرهاً فيها :﴿أيحب﴾ وعم بقوله :﴿أحدكم﴾ وعبر بأن والفعل تصويراً للفعل فقال :﴿أن يأكل﴾ وزاد في التنفير بجعله في إنسان هو أخ فقال :﴿لحم أخيه﴾ وأنهى الأمر بقوله :﴿ميتاً ﴾.
ولما كان الجواب قطعاً : لا يحب أحد ذلك، أشار إليه بما سبب من قوله :﴿فكرهتموه﴾ أي بسب ما ذكر طبعاً فأولى أن تكرهوا الغيبة المحرمة عقلاً، لأن داعي العقل بصير عالم، وداعي الطبع أعمى جاهل، وقد رتب سبحانه هذه الحكم أبدع ترتيب، فأمر سبحانه بالتثبت.
وكان ربما أحدث ضغينة، نهى عن العمل بموجبه من السخرية واللمز والنبز والتمادي مع ما ينشره ذلك من الظنون، فإن أبت النفس إلا تمادياً مع الظن فلا يصل إلى التجسس والبحث عن المعايب، فإن حصل الاطلاع عليها كف عن ذكرها، وسعى في سترها، وفعل ذلك كله لخوف الله، لا شيء غيره، فإن وقع في شيء من ذلك بادر المتاب رجاء الثواب.